الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
236 - رقم الاستشارة : 701
16/01/2025
ما حكم العمليات التجملية خاصة للمرأة إذا أصر الزوج عليها وطلبها منها، فزوجي كلما رأى صورة امرأة في وسائل الإعلام يريدني أن أكون نسخة منها وهذا يشق علي، فماذا أفعل؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعلى السائلة ألا تستجيب لهذا الزوج فيما حرمه الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ونوصي الزوج بتقوى الله وألا يكلف زوجه ما لا تطيق، وألا يحملها على معصية الله، فإن ما عند الله لا يطلب بمعصيته، وعلى الزوجة أن تطيع زوجها إذا أمرها بالمعروف شرعًا من الزينة المباحة، وإن كان عندها عيب خِلْقي فيمكنها علاجه، فهذا من باب التداوي أما أن يلهث الزوج وراء صور المتبرجات ويريد أن يحول زوجه إلى واحدة منهن فلا سمع له ولا طاعة.
وعمليات التجميل أصبحت من النوازل المهمة الآن، خاصة بعد السعار الذي بات يلاحقنا حول ثقافة التجمل والتجميل، وهي بلا شك ثقافة وافدة لا تمت لتقاليدنا ولا مبادئنا بسبب.
فما ينفق على إجراء مثل هذه العمليات على مستوى العالم ربما يفوق ميزانيات عدة دول من الدول النامية مجتمعة، تلك التي يموت الناس فيها جوعًا، لا يجدون ما يسد الرمق، أو يقيم الأود، فراشهم العفراء، ولحافهم السماء، وهذا وإن كان سائغًا في النظم الرأسمالية المتغطرسة التي لا تعرف للرحمة مكانًا، فهذا لا يجوز عندنا معاشر المسلمين، وقد نفى رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإيمان عمن بات شبعان وجاره جائع وهو يدري.
وهذه العمليات التجميلية تنقسم إلى قسمين:
النوع الأول: هو لإصلاح عيب خِلْقي كأن يكون للإنسان أصبع زائدة، أو تشوهات في الوجه أو أي جزء من أجزاء الجسم، وهذا التشوه يسبب له حرجًا اجتماعيًّا، أو ألمًا نفسيًّا أو بدنيًّا، وبالتالي يدخل هذا النوع في التداوي الذي حثنا عليه الإسلام وأمرنا به من باب الأخذ بالأسباب.
النوع الثاني: هو الناتج عن الهوس الإعلامي بالجنس، والمتاجرة بالمرأة التي كرمها الله عز وجل، وحثنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الرحمة بها، والشفقة عليها، فحولناها إلى تجارة رخيصة تباع وتشترى، وكأننا بهذا رجعنا إلى عهد الرقيق، فيطلب الزوج من زوجته أن تكون بشكل معين أعجبه، فيريدها أن تكون نحيفة، فيخضعها لمجموعة من العمليات المؤلمة، فيطلب منها شفط الدهون وتصغير الثدي والأرداف وغير ذلك...
ويعمل الأطباء مشارطهم وأدواتهم في هذه المرأة المسكينة، وتظل تحت تأثير المخدر ساعات طويلة، ثم تدفع أو يدفع زوجها المبالغ الطائلة، حتى إذا خرجت المرأة فرح بها زوجها إلى حين، ثم يتعود على هذا الشكل، فإذا رأى شكلاً آخر يريد من زوجه أن تتحول إليه، كطفل لا يكاد يمسك باللعبة بضع ساعات حتى يريد التحول إلى غيرها، فإن كانت نحيفة أرادها بدينة ممتلئة، والعكس كذلك...، فتمر بنفس التجربة مرة أخرى وتخضع راغمة أو طائعة لمشرط الطبيب حتى يعيدها كما كانت مرة أخرى.
إن الجمعيات التي تنادي بحقوق المرأة، وتقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل الختان وهو قطع جزء بسيط حتى لو تم تحت إشراف الطبيب، ويراعى فيها كافة الاحتياطات الصحية والقواعد المهنية لا يتفوهون بكلمة تجاه هذا الاعتداء الصارخ على جسد المرأة!!
فإذا لجأت المرأة إلى مثل هذا النوع من العمليات من أجل إغواء الآخرين، وشغلهم بالباطل عن الحق، وتخدير الشعوب حتى تستسلم للاستعمار الداخلي والخارجي، وتشيع الفاحشة بين الناس، بنشرها رذيلة الزنى، وهدم الأسر بسبب كثرة الطلاق؛ لأن الرجل يريد من زوجه صورة مستنسخة من فلانة التي أنفقت الآلاف من أجل قطع وإضافة وتغيير لخلق الله، وحرمان نفسها من عاطفة الأمومة، فهي في الغالب لا تلد ولا ترضع؛ لأن ذلك سيؤثر حتمًا على نحافة خصرها، وبهاء وجهها، وجمال جسدها...
ثم إنها لا هَم لها، ولا رسالة ولا هدف في عقلها وقلبها إلا التجمل والتزين من أجل إغواء الآخرين.
فهيهات للمرأة التي تعمل بالليل والنهار من أجل الطبخ والغسل وتربية الأولاد، وتقضي عمرها بين الحمل والرضاعة، وربما تكون عاملة تساعد زوجها على أعباء الحياة، ونوائب الدهر أن تصل لهذه المرأة، أو تنافسها.
ولذلك اجتمعت كلمة العلماء المعاصرين على جواز النوع الأول من عمليات التجميل وحرمة النوع الثاني.
وقد تعرض عدد من الفقهاء المعاصرين، والمجامع الفقهية لهذه المسألة، وسنكتفي هنا بذكر قرار مجمع الفقه الإسلامي، وهذا نص قراره:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثامنة عشرة في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9– 14 تموز (يوليو) 2007م.
بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: الجراحة التجميلية وأحكامها، وبعد استماعه إلى المناقشات المستفيضة التي دارت حوله.. قرر ما يأتي:
أولا: تعريف جراحة التجميل:
جراحة التجميل هي تلك الجراحة التي تعنى بتحسين (تعديل) (شكل) جزء أو أجزاء من الجسم البشري الظاهرة، أو إعادة وظيفته إذا طرأ عليه خلل مؤثر.
ثانيًا: الضوابط والشروط العامة لإجراء عمليات جراحة التجميل:
1- أن تحقق الجراحة مصلحة معتبرة شرعًا، كإعادة الوظيفة وإصلاح العيب وإعادة الخلقة إلى أصلها.
2- أن لا يترتب على الجراحة ضرر يربو على المصلحة المرتجاة من الجراحة، ويقرر هذا الأمر أهل الاختصاص الثقات.
3- أن يقوم بالعمل طبيب (طبيبة) مختص مؤهل؛ وإلا ترتبت مسؤوليته حسب قرار المجمع رقم 142 (8 / 15).
4- أن يكون العمل الجراحي بإذن المريض (طالب الجراحة).
5- أن يلتزم الطبيب (المختص) بالتبصير الواعي (لمن سيُجري العملية) بالأخطار والمضاعفات المتوقعة والمحتملة من جراء تلك العملية.
6- أن لا يكون هناك طريق آخر للعلاج أقل تأثيرًا ومساسًا بالجسم من الجراحة.
7- أن لا يترتب عليها مخالفة للنصوص الشرعية وذلك مثل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث عبد الله بن مسعود: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" (رواه البخاري)، وحديث ابن عباس: "لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء" (رواه أبو داود)، ولنهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء. وكذلك نصوص النهي عن التشبه بالأقوام الأخرى أو أهل الفجور والمعاصي.
8- أن تراعى فيها قواعد التداوي من حيث الالتزام بعدم الخلوة وأحكام كشف العورات وغيرها، إلا لضرورة أو حاجة داعية.
ثالثًا: الأحكام الشرعية:
1- يجوز شرعًا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:
أ- إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها لقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (العلق: 4).
ب- إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.
ج- إصلاح العيوب الخلقية مثل: الشفة المشقوقة (الأرنبية) واعوجاج الأنف الشديد والوحمات، والزائد من الأصابع والأسنان والتصاق الأصابع إذا أدى وجودها إلى أذى مادي أو معنوي مؤثر.
د- إصلاح العيوب الطارئة (المكتسبة) من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها، مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليًّا حالة استئصاله، أو جزئيًّا إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضية، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة.
(هـ) إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًّا أو عضويًّا.
2- لا يجوز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعا للهوى والرغبات بالتقليد للآخرين، مثل عمليات تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين، أو بقصد التدليس وتضليل العدالة، وتغيير شكل الأنف وتكبير أو تصغير الشفاه وتغيير شكل العينين وتكبير الوجنات.
3- يجوز تقليل الوزن (التنحيف) بالوسائل العلمية المعتمدة ومنها الجراحة (شفط الدهون) إذا كان الوزن يشكل حالة مرضية ولم تكن هناك وسيلة غير الجراحة بشرط أمن الضرر.
4- لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة أو الحقن ما لم تكن حالة مرضية شريطة أمن الضرر.
5- يجوز رتق غشاء البكارة الذي تمزق بسبب حادث أو اغتصاب أو إكراه، ولا يجوز شرعًا رتق الغشاء المتمزق بسبب ارتكاب الفاحشة، سدًّا لذريعة الفساد والتدليس. والأولى أن يتولى ذلك الطبيبات.
6- على الطبيب المختص أن يلتزم بالقواعد الشرعية في أعماله الطبية وأن ينصح لطالبي جراحة التجميل (فالدين النصيحة).
ويوصي بما يأتي:
1- على المستشفيات والعيادات الخاصة والأطباء الالتزام بتقوى الله تعالى وعدم إجراء ما يحرم من هذه الجراحات.
2- على الأطباء والجراحين التفقه في أحكام الممارسة الطبية خاصة ما يتعلق بجراحة التجميل، وألا ينساقوا لإجرائها لمجرد الكسب المادي، دون التحقق من حكمها الشرعي، وألا يلجئوا إلى شيء من الدعايات التسويقية المخالفة للحقائق.
والله تعالى أعلى وأعلم