حكم الفحص الطبي قبل الزواج وإلزام ولي الأمر به

الإستشارة 19/01/2025

ما حكم الفحص الطبي قبل الزواج؟ وهل يجوز لولي الأمر أن يفرضه كشرط من شروط إتمام توثيق عقد النكاح؟

الإجابة 19/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فالفحص الطبي قبل الزواج من الأمور المستحدثة في الفقه الإسلامي، وبالتالي لا نجد الطريق فيه ممهدة للإفتاء حيث لا يوجد نص فقهي للفقهاء القدامى، وبالتالي يكون الحكم فيه بناء على فقه الموازنات بين منافع هذا الفحص ومضاره، وترجيح أحد الجانبين على الآخر.

وعلى الرغم من المنافع المتوقعة من إجراء مثل هذه الفحوص، كأن يكون هناك مرض يمكن علاجه، أو نصيحة توجه لأحد الخاطبين أن يصرف نظرًا عن هذه الخطبة، أو غير ذلك، على الرغم من ذلك لا يمكننا إغفال المضار المترتبة عليه، كأن يجعل حياة الناس قلقة، أو إشاعة هذه النتائج التي تؤثر على علاقة المرضى بالآخرين وغير ذلك.

وبعد أن درس العلماء المعاصرون هذه المنافع وتلك المضار خلصوا إلا جواز إجراء مثل هذه الفحوص، بغير إلزام من قبل الدولة أو المجتمع، وهو حق لكلا الخاطبين يمكنه المطالبة به، أو التنازل عنه.

وقد استعرض مجلس مجمع الفقه موضوع "الفحص الطبي" الذي هو الكشف بالوسائل المتاحة (من أشعة وتحليل وكشف جيني ونحوه) لمعرفة ما بأحد الخاطبين من أمراض معدية أو مؤثرة في مقاصد الزواج، وبعد المداولة والمناقشة للبحث المقدم في ذلك قرر المجلس ما يلي:

أولاً: أن للفحص الطبي قبل الزواج فوائد من حيث التعرف على الأمراض المعدية أو المؤثرة وبالتالي الامتناع عن الزواج، ولكن له - وبالأخص للفحص الجيني - سلبيات ومحاذير من حيث كشف المستور، وما يترتب على ذلك من أضرار بنفسية الآخر المصاب ومستقبله.

ثانيًا: لا مانع شرعًا من الفحص الطبي بما فيه الفحص الجيني للاستفادة منه للعلاج مع مراعاة الستر. ثالثًا: لا مانع من اشتراط أحد الخاطبين على الآخر إجراء الفحص الجيني قبل الزواج.

رابعًا: لا مانع من اتفاقهما على إجراء الفحص الطبي (غير الجيني) قبل الزواج على أن يلتزما بآداب الإسلام في الستر وعدم الإضرار بالآخر.

خامسًا: لا يجوز لأحدهما أن يكتم عن الآخر عند الزواج ما به من أمراض معدية أو مؤثرة إن وجدت، وفي حالة كتمانه ذلك وتحقق إصابة أحدهما أو موته بسبب ذلك فإن الطرف المتسبب يتحمل كل ما يترتب عليه من عقوبات وتعويضات حسب أحكام الشرع وضوابطه.

سادسًا: يحق لكليهما المطالبة بالفسخ بعد عقد النكاح إذا ثبت أن الطرف الآخر مصاب بالأمراض المعدية أو المؤثرة في مقاصد الزواج.

يقول الدكتور محمد علي البار في كتابه الجنين المشوه والأمراض الوراثية:

لا يوجد ما يمنع من إجراء فحص للراغبين في الزواج يُثبت خلوهما من الأمراض المعدية، والعيوب الوراثية الظاهرة، أو الموجودة في تاريخ الأسرة، ولا بد على الأقل من التأكد من عدم وجود مرض من أمراض الزنا، أو اللواط لدى أحد الخاطبين، وإن كان هناك مرض تم معالجته قبل عقد الزوجية. وهناك باب جديد في الطب يسمى الاستشارة الوراثية وقد بدأ في الظهور في الدول الغربية.

ويقول الدكتور حسام عفانة – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين:

والفحص الطبي قبل الزواج مشروع ويدل على ذلك الأدلة العامة الآمرة بالتداوي، ومعروف أن الفحص الطبي قبل الزواج من باب الوقاية، والوقاية خير من العلاج.

ومن المعلوم أيضًا أن من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية طلب الأولاد، ومقصود أيضًا أن تكون الذرية صالحة جسمانيًّا ومعنويًّا ولا تكون الذرية كذلك إلا إذا كانت خالية من الأمراض وخاصة الوراثية، قال الله تعالى على لسان زكريا عليه السلام: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ (آل عمران: 38)، ودعا المؤمنون ربهم قائلين: ﴿هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ الفرقان: 74)، ولا تكون الذرية قرة أعين وذرية طيبة إذا كانت ذرية مشوهة الخلقة أو ناقصة الأعضاء أو متخلفة عقليًّا.

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم من أراد الزواج أن يحسن اختيار الزوجة، فقد ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم" رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني، حديث حسن، كما في صحيح سنن ابن ماجة 1/333.

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تزوجوا الودود الولود" رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم، وسئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما حق الولد على أبيه ؟ قال: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه القرآن".

وهذا الانتقاء للزوجة يشمل الصفات الخِلقية، والمعنوية، ويتفق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تُنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه البخاري ومسلم.

والله تعالى وأعلم

الرابط المختصر :