الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
238 - رقم الاستشارة : 740
20/01/2025
ما حكم تغير العمله وأثره على قضاء الديون والأجور خاصة في البلاد الذي يكون تغير العملة فيها كبيرا وسريعا؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهاتان مسألتان على قدر كبير من الأهمية الأن، ويكثر حولهما السؤال، أما أداء الدين بعملة مغايرة فالأصل فيه عدم الجواز في الظروف العادية التي يتغير فيها مقدار العملة تغيرًا طفيفًا، أما التغير الكبير المفاجئ الذي حدث الآن في بعض البلاد فيمكن حله بالتراضي بين الدائن أو المدين، أو التقاضي والتحكيم الذي ينظر إلى عملة مستقرة أو الذهب، والأفضل من ذلك كله أن يتعامل الناس في القرض والاقتراض بعملة مستقرة.
أما القضية الثانية فلا مانع عند تحديد الأجور أو تحديثها أن تراعى نسبة الضخم أو تغير قيمة العملة ما لم يؤد ذلك إلى ضرر أكبر.
وقد غلب استعمال النقود الورقية في العصر الحديث، حتى حلت مكان النقود الذهبية والفضية، وأخذت وظيفتهما في التعامل في عامة بلدان العالم، وقد أشار إلى إمكان اتخاذ النقود من الورق الإمام مالك، من باب افتراض وقوع ما لم يقع وبيان حكمه، فقال: لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة، وقال في موضع: لو جرت الجلود بين الناس مجرى العين المسكوك لكرهنا بيعها بذهب أو ورق نظرة (أي مؤجلة).
ولا شك أن العملات عامة، والعملة الورقية خاصة يحدث لها انخفاض وارتفاع بسبب الظروف السياسية والاقتصادية وغيرها، وهذا السؤال يتطلب منا بحث مسألتين غاية في الأهمية إذ يعرضان لكثير من الناس في الوقت الحاضر.
الموضوع الأول: قضاء الديون عند تغير قيمة العملة.
الموضوع الثاني: تأثير قيمة العملة على الأجور بسبب التضخم أو انهيار الأجور.
أما قضاء الديون فصدر بشأنه عدة قرارات من مجمع الفقه يكمل بعضها بعضًا.
القرار الأول في الدورة الخامسة وخلص إلى أن (العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار.
ثم جاء القرار الثاني في الدورة التاسعة ليؤكد على القرار الأول، ثم يضيف إلى ذلك أن هناك اتجاهات عديدة بشأن معالجة حالات التضخم الجامح الذي يؤدي إلى الانهيار الكبير للقوة الشرائية لبعض العملات منها:
أ- أن تكون هذه الحالات الاستثنائية مشمولة أيضًا بتطبيق قرار المجمع الصادر في الدورة الخامسة.
ب– أن يطبق في تلك الأحوال الاستثنائية مبدأ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة (مراعاة القوة الشرائية للنقود).
ج – أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقية بالذهب (مراعاة قيمة هذه النقود بالذهب عند نشوء الالتزام) .
د– أن يؤخذ في مثل هذه الحالات بمبدأ الصلح الواجب، بعد تقرير أضرار الطرفين (الدائن والمدين).
ه- التفرقة بين انخفاض قيمة العملة عن طريق العرض والطلب في السوق، وبين تخفيض الدولة عملتها بإصدار قرار صريح في ذلك بما قد يؤدي إلى تغير اعتبار قيمة العملات الورقية التي أخذت قوتها بالاعتبار والاصطلاح.
و– التفرقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود الذي يكون ناتجًا عن سياسات تتبناها الحكومات وبين الانخفاض الذي يكون بعوامل خارجية.
ز– الأخذ في هذه الأحوال الاستثنائية بمبدأ (وضع الجوائح) الذي هو من قبيل مراعاة الظروف الطارئة.
ثم جاء القرار الثالث في هذا الموضوع في الدورة الثانية عشرة ليؤكد على ما سبق في الدورة الخامسة والدورة التاسعة ويضيف:
يمكن في حالة التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها وذلك بأن يعقد الدين بما يلي:
أ ـ الذهب والفضة.
ب ـ سلعة مثلية.
جـ ـ سلة من السلع المثلية.
دـ عملة أخرى أكثر ثباتًا.
هـ ـ سلة عملات.
ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين؛ لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلا.
وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة ما مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى (الربط بتلك العملة) أو بسلة عملات، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75 (6/8) رابعًا، ونصه (الدين الحاصل بعملة معينة لا يجوز الاتفاق على تسجيله في ذمة المدين بما يعادل قيمة تلك العملة من الذهب أو من عملة أخرى، على معنى أن يلتزم المدين بأداء الدين بالذهب أو العملة الأخرى المتفق على الأداء بها).
لا يجوز شرعًا الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي:
أـ الربط بعملة حسابية.
ب ـ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة أو غيره من المؤشرات.
جـ ـ الربط بالذهب والفضة.
د ـ الربط بسعر سلعة معينة.
هـ ـ الربط بمعدل نمو الناتج القومي.
و ـ الربط بعملة أخرى.
ز ـ الربط بسعر الفائدة.
ح ـ الربط بمعدل أسعار سلة من السلع.
وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير وجهالة فاحشة بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود. وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه ومشروط في العقد فهو ربا.
الموضوع الثاني: تأثير قيمة العملة على الأجور بسبب التضخم أو انهيار الأجور
وقد صدر فيه قرار مجمع الفقه في دورته الثامنة حيث قرر ما يلي:
يجوز أن تتضمن أنظمة العمل واللوائح والترتيبات الخاصة بعقود العمل التي تتحدد فيها الأجور بالنقود شرط الربط القياسي للأجور، على ألا ينشأ عن ذلك ضرر للاقتصاد العام.
والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعًا للتغير في مستوى الأسعار وفقًا لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص، والغرض من هذا التعديل حماية الأجر النقدي للعاملين من انخفاض القدرة الشرائية لمقدار الأجر بفعل التضخم النقدي وما ينتج عنه من الارتفاع المتزايد في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات.
وذلك لأن الأصل في الشروط الجواز إلا الشرط الذي يحل حرامًا أو يحرم حلالاً.
على أنه إذا تراكمت الأُجرة وصارت دينًا تطبق عليها أحكام الديون المبينة في قرار المجمع السابق.
والله تعالى أعلى وأعلم