الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
57 - رقم الاستشارة : 3380
25/11/2025
أنا أعمل محاسبًا في شركة، وفي الشركة يوجد الكثير من البنات يشبه سلوكهن ولبسهن بنات الإعلانات والفيديو كليب، أنا لدي وضعي في العمل ومستقر، وأحاول دائمًا عدم التعامل مع هؤلاء البنات إلا في أضيق الحدود وفيما يخص العمل فقط.
زوجتي تطلب مني ترك العمل بسبب سماعها أصوات البنات وحديثهن والهزار والضحك مع الزملاء، لكنني لا أتعامل معهن بهذا الشكل نهائيًا، ولا أتدخل في هذا النوع من الحديث.
زوجتي تخيرني بين ترك العمل أو تركها، وأنا بحثت عن عمل آخر ولم أجد حتى الآن، وأخبرتها أنني أبحث عن عمل، وعندما أجد سأتركه، لكنها لا تستجيب، مع العلم أنه من الصعب أن أجد مثل هذه الفرصة أو هذه المكانة أو هذا الراتب، فما الحل؟
أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
الحقيقة أن لديك مشكلتين:
الأولى: هي المشكلة التي كتبت هذه الاستشارة لأجلها.. مشاعر الغيرة الشديدة لدى زوجتك والتي أوصلتها أن تخيرك بين استمرار زواجكم أو استمرارك في هذا العمل.
الثانية: هي أن هذا العمل هو بالفعل بمثابة فتنة حقيقية وسوف أشرح لك الآن لماذا؟ وكيف أن تجنب هذه المشكلة الثانية يحل المشكلة الأولى تلقائيًّا.
الخوف العاطفي
بالنسبة للمشكلة الأولى المتمثلة في مشاعر الغيرة فيكمن خلفها مشاعر خوف وقلق شديدة؛ فزوجتك خائفة من المقارنة مع فتيات يشبهن فتيات الإعلانات وفتيات الفيديو كليب.. خائفة من أجواء العلاقات المفتوحة في مكان العمل والتي تجعلها تسمع صوت الضحكات الصاخبة والمزاح المبالغ فيه عندما تتواصل معك هاتفيًّا.. خائفة مما تسمعه من قصص الخيانة مع زميلات العمل اللاتي يتم قضاء ساعات طويلة بصحبتهن..
خائفة من لحظة ضعف بشري قد تعتريك وخائفة من لحظة رغبة ذكورية مع فتيات يجسدن نموذجًا للفتنة، وخائفة من أن تستهدفك إحداهن ممن لا دين لها ولا خلاق.. مشاعرها مفهومة ومشروعة ولا تنم عن غيرة مرضية أو رغبة في السيطرة.. قد تتساءل لماذا لا تثق فيك؟ بل ولماذا لا تثق في نفسها؟ سأجيبك:
أخي الفاضل، أنت شخص جاد ملتزم بحدود عملك تثق في نفسك وتريد من زوجتك أن تثق فيك وتريدها أن تثق في نفسها أيضًا، وهذا منطق عقلاني لا غبار عليه لكنه لا يجدي مع شخصية عاطفية مع زوجتك لديها نمط تعلق قلق مرتبط بك.. زوجتك تعاني من الخوف العاطفي وتريد طمأنة تهدئ روعها وليس حوارًا عقلانيًّا يناقش مخاوفها.
أبواب الفتنة
أخي الكريم، طبيعة عملك التي ذكرتها تجعلك واقفًا على بوابة فتنة حقيقية حتى لو كنت لا تخالط هؤلاء البنات إلا لضرورة، والشيطان لا يزين المعصية مرة واحدة بل يسير بالإنسان إلى المعصية عبر خطوات صغيرة، وتأمل هذه القصة ففيها عبرة وعظة حيث يروى:
"أن عابدًا كان في بني إسرائيل، وكان من أعبد أهل زمانه، وكان في زمانه ثلاثة إخوة وكانت لهم أخت وكانت بكرًا، ليست لهم أخت غيرها فخرج البعث عليهم فلم يدروا عند من يخلفون أختهم ولا من يأمنون عليها ولا عند من يضعونها، فأجمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل كان ثقة في أنفسهم، فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده فأبى ذلك فلم يزالوا به حتى أطاعهم.
فقال: أنزلوها في بيت حذاء صومعتي فأنزلوها في ذلك البيت، ثم انطلقوا وتركوها، فمكثت في جوار ذلك العابد زمانًا ينزل إليها الطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة، ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته، ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام قال: فتلطف له الشيطان فلم يزل يرغبه في الخير ويعظم عليه خروج الجارية من بيتها نهارًا ويخوفه أن يراها أحد فيعلقها، فلم يزل حتى مشى بطعامها حتى وضعه على باب بيتها، ولا يكلمها.
قال: فلبث بذلك زمانًا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والأجر وحضه عليه وقال: لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك. قال: فلم يزل حتى مشى إليها بطعامها حتى يضعه في بيتها. قال: فثبت بذلك زمانًا، ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه، وقال له: لو كنت تكلمها وتحدثها حتى تستأنس بحديثك، فإنها قد استوحشت وحشة شديدة قال: فلم يزل به حتى حدثها زمانًا يطلع إليها من صومعته، قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال: لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها، وتقعد هي على باب بيتها فتحدثك كان آنس بها، فلم يزل به حتى أنزله فأجلسه على باب صومعته يحدثها وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على باب بيتها، قال: فلبثا زمانا يتحادثان.
ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير، فقال: لو خرجت من باب صومعتك فجلست قريبا منها فحدثتها كان آنس لها، فلم يزل به حتى فعل فلبثا بذلك زمانًا، ثم جاءه إبليس فقال: لو دنوت من باب بيتها، ثم قال: لو دخلت البيت فحدثتها ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن، فلم يزل به حتى دخل البيت، فجعل يحدثها نهاره كله، فإذا أمسى صعد في صومعته. قال: ثم أتاه إبليس بعد ذلك فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها، فلم يزل إبليس يحسنها في عينه ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها، فولدت غلامًا.
فجاءه إبليس فقال له: أرأيت إن جاء إخوة هذه الجارية وقد ولدت منك، كيف تصنع؟ فاعمد إلى ولدها فاذبحه وادفنه، فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها، ففعل، فقال: أتراها تكتم ما فعلت؟ خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها، فذبحها وألقاها في الحفرة مع ابنها، فذبحها كما قلنا، فمكث بذلك ما شاء الله حتى قفل إخوتها من الغزو فجاءوا فسألوه عن أختهم فنعاها لهم وترحم عليها وبكى، وقال: كانت خير امرأة وهذا قبرها، فأتى إخوتها القبر، فبكوا أختهم وترحموا عليها، وأقاموا على قبرها أيامًا، ثم انصرفوا إلى أهاليهم.
فلما جنهم الليل وأخذوا مضاجعهم أتاهم الشيطان في النوم فبدأ بأكبرهم فسأله عن أختهم فأخبره بقول العابد وبموتها، فكذبه الشيطان، وقال: لم يصدقكم أمر أختكم إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلامًا فذبحه وذبحها معه خوفًا منكم فألقاها في حفيرة خلف باب البيت، فأتى الأوسط في منامه فقال له مثل ذلك، ثم أتى أصغرهم فقال له مثل ذلك، فلما استيقظ القوم استيقظوا متعجبين لما رأى كل واحد منهم، فأقبل بعضهم إلى بعض يقول لقد رأيت عجبًا، فأخبر بعضهم بعضًا مما رأى، فقال أكبرهم: هذا حلم ليس بشيء فامضوا بنا ودعوا هذا، فقال صغيرهم: لا أمضي حتى آتي الموضع فأنظر فيه، فانطلقوا فبحثوا الموضع فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين، فسألوا عنها العابد، فصدق قول إبليس فيما صنع بها.
قال: فاستعدوا عليهم ملكهم، فأنزل من صومعته وقدموه ليصلب، فلما أوثقوه على الخشبة أتاه الشيطان فقال: قد علمت، إني صاحبك الذي فتنتك في المرأة حتى أحبلتها وذبحتها وابنها، فإن أنت أطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك خلصتك مما أنت فيه، فكفر العابد بالله سبحانه، فلما كفر خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه ففيه نزل قول الله ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾".
ما أريد قوله أن عملك هذا وما أنت فيه من مكانة كبيرة ودخل مرتفع يجعلك تتعايش مع وضع غير مريح وتحاول أنت الالتزام فلا تشارك في أحاديث بلا ضوابط، لكن تدريجيًّا وببطء شديد قد تتجاوب قليلاً قليلاً، فلماذا تضع نفسك في مواضع الشبهات.. النساء على هذا النحو الذي ذكرت في عملك فتنة والله سبحانه وتعالى وضع النساء على رأس أولويات الشهوات ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ﴾، وقال عن الإنسان في موضع آخر فيما يتعلق بأمور النساء ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾، فإذا كان الإنسان ضعيفًا فلا معنى لاستعراض القوة على أبواب الفتن (فمَن اتَّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومَن وقع في الشّبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يُوشك أن يقع فيه).
خطوات للحل
أخي الكريم، أنت مدعو للسير في طريقين للحل يكمل بعضهما بعضًا.
الطريق الأول: التهدئة العاطفية والنفسية لزوجتك فهي تحتاج لمزيد من الحب والاحتواء والمدح.. هي أخطأت بتخييرها لك بينها وبين عملك؛ لأن هذا أسلوب غير لائق، لكن أنت متفهم لدوافعها ولن تنزلق لرد فعل حاد على سلوكها هذا؛ لأننا نريد التهدئة وليس إشعال الموقف، خاصة أن الوضع بالفعل في العمل عندك غير جيد بالمرة.
الطريق الثاني: وهو يكمل الطريق الأول أيضًا أنك ستعدها أنه خلال فترة ثلاثة شهور (لا تزيد عن ستة شهور) ستكون في عمل آخر جديد، فهذا حل عملي ويمنحك وقتا كي تدبر أمرك.
* عليك أن تتفق مع زوجتك على خطة تقشف، فلكل قرار ثمن وأنت بحاجة لتوفير مبلغ خلال الثلاث أو الست شهور القادمة.
* كما أن عليك أن تعرفها أن مستوى المعيشة قد ينخفض نظرًا لضعف الرواتب في أماكن العمل الأخرى.
* ابحث عن عمل آخر بجدية شديدة جدًّا واعتبر أنها قضية حياة أو موت كما يقال، فإذا وجدت عملاً آمنًا وقيمته 70% أو أكثر من دخلك الحالي فاقبل به مع وضع خطة لضغط المصروفات وميزانية أكثر مرونة.
* كن على يقين أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق وهو من يبارك القليل الطيب، وطالما أنك ابتغيت رضا الله عز وجل فثق أن الفرج قادم فاصمد واصبر فإنما النصر صبر ساعة، وأوصيك أن تدعو دائمًا: اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك.
أسعد الله قلبك وألّف ما بين قلبك وقلب زوجتك ورزقك رزقًا حلالاً طيبًا مباركًا فيه.
رواط ذات صلة: