الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
275 - رقم الاستشارة : 722
18/01/2025
كيف نقاوم أفكار الفشل في حياتنا؟ وهل قبول الفشل فكريًّا يساهم في استمراره؟ كيف نتغلب بالأفكار على الفشل؟
النجاح يأتي من الداخل، وأغلب الأبواب تفتح من الداخل، وجزء كبير من النجاج هو صناعة داخلية؛ فالإصرار والمثابرة وقوة العزيمة ووضوح الرؤية والإيمان العميق بالهدف والغاية، كل ذلك من عوامل الصلابة النفسية التي تنسج خيوط النجاح، أما الفشل فهو-أيضا- صناعة داخلية، من خلال منظومة الأفكار المتخاذلة الرخوة الضحلة، التي تزين الإخفاق بخلق هالات من الاستحالة حوله.
مشاعر الإحساس بالفشل توتر التفكير فتصرف العقل عن وظيفته في بناء التصورات القادرة على النجاح؛ فمشاعر الفشل وضعف العدم تشغب على الإرادة الإنسانية، وتسول للذات أفكارًا استسلامية انهزامية ضعيفة ترى أنه لا حل إلا الانسحاب.
وقد عرف علم النفس ما سمي بـ"الأتيكيفوبيا" أو رهاب الفشل، وتشير الدراسات والإحصاءات إلى أن اضطراب "الأتيكيفوبيا" يبلغ متوسط الإصابة به عالميًّا 25% من عدد سكان العالم، ويختلف من حيث شدته من بلد إلى آخر، وتشير عدة دراسات أمريكية إلى أن 20% من البشر يؤجلون كثيرًا من أمور حياتهم بسبب الخوف من الإخفاق، فيحجـم الشخص عن ممــارسة معظم الأنشطة الطبيعية؛ لأنه يرجح دائمًا احتمال الفشل أكثر من النجاح، ويفضل عدم المجازفة مهما كان الدافع.
كذلك فإن الكثير من الأشخاص ذي الأفكار المثالية، يعانون من "رهاب الفشل" فهم لا يرضون إلا بالكمال والمثالي من الأشياء، وهذا من الصعب تحققه في الحياة إلا نادرًا، ولذلك كانت نصيحة المخترع الكبير "توماس إديسون" مهمة في إدراك إيجابيات الفشل، فعندما تكررت تجاربه الفاشلة للوصول إلى أحد اختراعاته قال: "لم أفشل، لكن وجدت عشرة آلاف طريقة لن تنجح... فالعديد من حالات الفشل في الحياة كانت لأشخاص لم يدركوا مدى قربهم من النجاح عندما استسلموا"؛ فهذا الرهاب من الفشل يجعل النجاح مستحيلاً، بل يجعل النجاح ليست له أسباب أرضية يمكن الاستعانة بها للفوز.
ورد الفشل في القرآن في أربعة مواضع، في سورتي "آل عمران" و"الأنفال"، وارتبط بحالة الانقسام والتفرق داخل الأمة، خاصة في لحظة المواجهة مع الأعداء، لكن الفشل بمعنى الإخفاق في مسارات الحياة، أو ارتكاب أخطاء أثناء العمل، فإن الرؤية الإسلامية تعاملت معه من منظور مختلف، فهيمن عليها التصحيح والتحفيز، فالذنوب والأخطاء، باعتبارها من مظاهر الفشل الإنساني في الاستقامة، فإن الإسلام نظر إليها معترفًا بالطبيعة البشرية غير المعصومة، وشجعت الرؤية الإسلامية على التوبة؛ لأن الاستغفار في حقيقته هو قياس الحال على المعيار، بمعنى أن يقارن الشخص ما قام به من أعمال وأفعال أو ما لم يقم به على معيار الخير والشر والصلاح والفساد.
ومن تحفيز الرؤية الإسلامية على التغلب على مخاوف الفشل التي تغري بالقعود عن الفعل، أن الإسلام جعل للمجتهد المُصيب أجرين، وللمجتهد المخطئ أجرًا واحدًا، أي أن الإنسان يحصل على أجر ومكافأة في الحالين.
ومن الأفكار التي تشجع على التغلب على روح الفشل، أن يقتنع الشخص بتلك القاعدة الذهبية أن "لا أحد مُحصن ضد الفشل"، فالجميع يتعرض للفشل، لكن من يمتلك عزيمة وأفكار محرضة على النهوض هو من ينفض عنه غبار الفشل وينهض من جديد.
ويلاحظ أن بعض التجارب العالمية، حاولت مكافحة "فوبيا الفشل" ورأت أن ذلك الرهاب من الفشل عائق كبير أمام الإبداع والتنمية والفعالية في الحياة، ورأت أن إصلاح التصورات حول الفشل سيقوي العزائم ويبدد المخاوف من الفشل.
ونجد دولة مثل "فنلندا" لجأت إلى فكرة مبدعة لمواجهة "فوبيا الفشل" وهي أن تحتفل بالفشل نفسه، وتخصص له يومًا في العام أطلقت عليه "عيد الفشل" Day For Failure، ويوافق يوم 13 أكتوبر من كل عام، وابتكر هذا الاحتفال طلاب الجامعات عام 2010، عندما رأوا في أجيالهم إحجامًا عن المشاريع والأعمال الجديدة، فقرروا مواجهة "رهاب الفشل" من خلال تشجيع الناس على عدم الخجل من الحديث عن الفشل، وترسيخ أن الفشل أحد مكونات الحياة والنجاح، التي نستكشف من خلالها الطريق الصحيح.
ومن ثم كانت مقاومة الفشل تأتي أولا من خلال الفكرة وإصلاح التصورات عن الفشل، ولعل هذا ما صاغه الزعيم الأمريكي المسلم "مالكوم إكس" بقوله: "يجب أن نعلم أطفالنا عدم الخجل من الفشل؛ لأن معظم الكبار يرزحون تحت الخوف والحذر، ويركنون إلى الأمان، ولذلك تجدهم خائفين، ولذلك يفشل أكثرهم".
وبعد عيد الفشل بعشر سنوات، قدمت هولندا إضافة مهمة لمواجهة "فوبيا الفشل"؛ ففي عام 2020م صدرت مجلة علمية مهمة، تتحدث عن الأبحاث الفاشلة هي مجلة JOTE "الخطأ والصواب" Journal of Trial and Error، والتي تعتبر أن التجربة والخطأ أساسية للتعلم، لذلك بحثت المجلة فيما تنشره للإجابة عن سؤال: "ما الخطأ الذي حدث؟".
تكسر المجلة فكرة الخجل من الفشل البحثي، وترى أن نشره فرصة للباحثين الآخرين ليتجاوزوه، فعندما يعرف الباحث طريقًا خطأ في إثبات الفرضية، فإنه يلجأ إلى سبيل آخر، وبذلك يكون الفشل الذي تحدثت عنه المجلة هو وسيلة لعدم تكراره، ومن الأوراق "الفاشلة" التي نشرتها المجلة فرضية تتحدث عن تأثير مشاهد العنف على إدمان الكحول، لكن الباحثة لم تنجح في إثباتها بسبب صغر حجم العينة، فنشرت البحث والمشكلات التي وقعت فيها، وبالتالي نبهت لعدم تكرار الخطأ.
الفشل والنكسات والإخفاقات أمر حقيقي في الحياة ومن بديهياتها، فالمكاسب محفوفة بالمخاطر والتحديات؛ لذا يجب عدم الاستسلام للفشل، فالإنسان بحماسته ومثابرته يمكنه ألا يجعل الفشل شيئًا دائمًا، ليكون على موعد آخر مع النجاح، كذلك فإن الاستحياء من الحديث عن الفشل يفتح الباب واسعًا لتكراره.
الفشل يجب أن يفتح أبواب التساؤل، لا أن يؤدي إلى تحطيم النفس والإرادة، فيعصف بداخل الإنسان، ويجعله هشًّا، قابلاً للكسر والتحطم، ومن الأقوال الرائعة للزعيم الماليزي "مهاتير محمد": "ليس في تعاليم الاسلام ما يفيد بأن الفشل في الحياة الدنيا سينفع صاحبه في الآخرة"، وما أكده الشيخ "محمد الغزالي" بقوله: "إن الفشل في كسب الدنيا يستتبع الفشل في نصرة الدين"، وهي رؤية ترفض قدرية الفشل، وعدم مغالبته والانتصار عليه.