الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
12 - رقم الاستشارة : 1327
14/03/2025
عندما أسمع عن المستشرقة العظيمة ماري شميل التي أفنت عمرها في دراسة الإسلام أشعر أن المستشرقات كنّ أكثر أنصافًا للإسلام.. فهل هذا صحيح؟
ربما يكون هذا السؤال ذا أهمية ليس بحثًا عن المعلومات حول إنصاف الإسلام فيما قدمه الاستشراق من دراسات وأبحاث عن الإسلام والمسلمين، لكن تكمن أهمية السؤال في ضرورة أن تكون عقلية المثقف المسلم مركبة، فلا يصدر أحكامًا عامة وهو غير مدرك لطبيعة الاختلافات.
ومنهج القرآن العظيم أنه يترك مساحة لوجود اختلاف؛ لأنه لا يصف كتلة صماء جامدة ينطبق عليها حكم واحد أو وصف واحد، ومن هنا نفهم قوله تعالى عند الحديث عن أهل الكتاب {ليسوا سواء}، فهذه منهجية عدل وإنصاف وموضوعية.
إنصاف للإسلام
عرف الاستشراق النسائي إنصافًا للإسلام، اقترب من روح الإسلام وحقيقته، فإذا كان الاستشراق في بعض مراحله هو الذراع الفكرية للاستعمار، فإنه في بعض شخصياته مثل المستشرقة الألمانية "آنا ماري شميل" والإيطالية "لورا فيشيا فاغليري" كان نموذجًا للإيجابية والإنصاف العلمي، والحب والتقدير للإسلام، تقول "شميل": "سأظل أحب العالم العربي والإسلامي حتى وفاتي"، وكانت آخر وصية لها: "حين أموت، أريد أن يقرأ القرآن عند رأسي قبل أن أدخل حفرتي، ليكون آخر عهدي بالدنيا هذه الكلمات الإلهية".
ومن الشخصيات المنصفة في الاستشراق النسائي، الإيطالية "ماريا ناللينو" (ت: 1974م) وهي ابنة المستشرق "كارلو نالينو"، وهي من المغرمات بالإسلام والشرق، حتى إنها اختيرت كعضو مراسلة لمجمع اللغة العربية بالقاهرة في الخمسنييات من القرن الماضي، وكانت ترى الإسلام دينًا يحث على العلم والتفكر في الملكوت .
أما المستشرقة ڤيرجينيا فاكا فأصدرت 25 بحثًا عن العرب والمسلمين، منها بحثان عن فلسطين واليهود، وتقول عن فلسطين: "إن اليهود لم يجدوا في أي مكان ذهبوا إليه عقيدة أكثر سماحة لهم من عقيدة الإسلام، ولا قلوبًا أرحم من قلوب المسلمين... وتاريخنا الأوروبي يعج بالروح العدوانية ضد اليهود".
أما "ماري شميل" (ت: 2003م) فقضت أكثر من خمسين عامًا من عمرها في الكتابة عن الإسلام، ويحسب لها أنها وضعت الأسس الصحيحة للاستشراق، وكانت تجيد اللغة العربية إلى جانب إحدى عشرة لغة أخرى، وحصلت على ثلاث درجات دكتوراه، وعندما أصدرت كتابًا بعنوان "وأن محمد رسول الله" بالألمانية والإنجليزية ثارت ضدها وسائل الإعلام الغربية، فكتبت: "لماذا تلومونني على حبي ودفاعي عن رسول الإسلام الذي أحبه، في حين لم يتعرض شخص في التاريخ للظلم الذي تعرض له محمد صلى الله عليه وسلم في الغرب"، لكن يبقى كتاب "الإسلام دين الإنسانية" من أروع كتبها.
أما الألمانية "زيجريد هونكه" (ت: 1999م) فيُقال إنها أسلمت في أواخر حياتها، لتحتل مرتبة عالية في المستشرقات الكبار اللاتي دافعن عن صورة الإسلام، ويعد كتابها "شمس الإسلام تسطع على الغرب" الذي أصدرته عام (1960م) دفاعًا مجيدًا عن الحضارة الإسلامية، وبيع من الكتاب أكثر من مليون نسخة، وتم ترجمته إلى أكثر من 17 لغة.
أما "كارين أرمسترونج" والتي تركت سلك الرهبنة واتجهت لدراسة الأديان، وصارت من أشهر المتخصصين في دراسة الأديان المقارنة، وأعلنت موقفها الرافض لإقصاء الإسلام صراحة في وجه بابا الفاتيكان عندما قالت: "نحن لا نستطيع تحمل إبقاء هذا الإجحاف القديم ضد الإسلام"، واجتهدت في تقديم صورة حقيقية وواقعية عن الإسلام للمواطن الغربي حتى يتمكن من بناء فهم أفضل عن الإسلام؛ لذا ألّفت كتابًا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في ظل تصاعد الأزمة بين الإسلام والغرب حول كتاب "آيات شيطانية" للكاتب الملحد سلمان رشدي، ثم أصدرت كتاب "محمد، صلى الله عليه وسلم، نبي لعصرنا"، حيث طُبع عدة طبعات، وبيعت منه ربع مليون نسخة في الشهر التالي لتفجيرات نيويورك 2001م.
أما الإيطالية "لورا فيشيا فاغليري" (ت: 1989م) فهي من أوائل المتعاطفات مع الإسلام، حيث درست التاريخ الإسلامي واللغة العربية، وعملت أستاذة للغة العربية والحضارة في جامعة "نابولي"، ومن أهم كتبها "دفاع عن الإسلام" باللغة الإيطالية عام 1952م، ثم الإنجليزية.
وتعتبر "فاغليري" القرآن الكريم معجزة بكل المقاييس، وتقول: "القرآن كتاب لا سبيل لمحاكاته.. آياته في مستوى واحد من البلاغة.. فهو ينتقل من موضوع إلى موضوع من غير أن يفقد قوته.. إننا نقع على العمق والعذوبة معًا"، ثم تقول: "لا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي، وهي أن نصه ظل صافيًا غير محرف طوال القرون، ويظل على تلك الحالة من الصفاء وعدم التحريف بإذن الله ما دام الكون".