الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
34 - رقم الاستشارة : 1813
01/05/2025
أنا شابٌّ في مقتبل العمر، أُحِبُّ الله، وأتمنى أن أكون من خاصته، وقد قرأت وسمعت كثيرًا أن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه، فإن صبر اجتباه، وإن رضِيَ اصطفاه. لكنني أجد صعوبة في فهم هذه المعادلة، فأحيانًا أقول: إن كنتُ في الابتلاء، فهل هذا يعني أنني محبوب عند الله؟ وإن لم أشعر بالقُرب القلبي، فهل فاتني شيء؟ كيف أتأكد من محبة الله لي؟ وكيف أوظف هذه المحبة في طريقي إلى الله، لا سيّما في الدعوة إليه، والتأثير في كل مَن حولي؟
أيها الشاب النبيل، سؤالك ليس مجرّد كلمات، بل هو إشراق قلبٍ يتوق إلى القرب، ويحترق بشوق الفهم، فهنيئًا لك صدق البحث، فإن مَن طرق باب الله صادقًا، فالله لا يرده.
أنت لم تُخطئ حين تساءلت.. بل أصبتَ العمق. فالمسألة ليست فقط أن نصبر على الابتلاء، بل أن نفهم: ما سرّ هذا الابتلاء؟ ولماذا؟ وهل أنا محبوب؟ وكيف أترجم هذا الحب؟
يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا، ابْتَلَاهُ، فَإِنْ صَبَرَ اجْتَبَاهُ، وَإِنْ رَضِيَ اصْطَفَاه".
والابتلاء -أيها الفاضل- ليس دائمًا نقمة، بل هو تصفية لا تعذيب، وترقية لا إهانة.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إذا أحبّك الله ابتلاك، فإذا صبرت قربك، وإذا رضيت اصطفاك، وإذا شكرت اجتباك"، فكيف تعرف أنك محبوب؟ ليس بكثرة المال، ولا السلامة من المصائب، بل بـ:
* قُربك من الله في السرّاء والضرّاء.
* نهوضك من الذنب، وسرعة توبتك.
* صبرك دون تذمّر، ورضاك دون اعتراض.
* وحرصك على أن تُبقي قلبك حيًّا بالإيمان رغم كل العواصف.
كيف تُوظّف هذا الحب في الدعوة إلى الله؟
1) انطلق من تجربتك، حين ذُقتَ مرارة الابتلاء، ستفهم وجع الناس.. فحدّثهم عن الصبر كما تحدّث الناجون من وسط النيران.
2) اجعل دعوتك دعوةً مشاعرية راقية، لا تكن ناصحًا بجمود، بل تحدّث عن الله بحب، كما قال الله تعالى: ﴿ادْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾.
3) كن رحمة تمشي على الأرض، ما ابتلاك الله لتعتزل الناس؛ بل ليجعلك سببًا في شفائهم، وبلسمًا لأرواحهم.
4) اجعل الابتلاء منبرًا، فالله قدّر لك التجربة لتُخبر بها من لم يفهم سرّ الحياة. كما قيل: "أصدق الدعاة، من عاش ما يقول، لا من حفظه فقط".
أيها السائل الكريم: إليك بعض الوصايا العملية لك أيها الحبيب:
1) أكثِر من ذِكر الله في لحظات الضعف، فإن الذكر بوابة الحب، ومن قال: يا الله بيقين، ردّ الله عليه بقوله: لَبَّيْكَ عبدي.
2) دوِّن تأملاتك الإيمانية في الابتلاء؛ فربما تتحول هذه الخواطر لاحقًا إلى مشروع دعوي أو كتاب هداية.
3) لا تخجل من دموعك، فإن الله لا يضيع دمعًا خرج من عين قلبٍ يفتش عن الله.
4) ابحث عن صحبة صالحة، تُشعل فيك روح الدعوة، وتذكّرك أن الحياة قصيرة، والرسالة عظيمة.