الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
60 - رقم الاستشارة : 1582
10/04/2025
أنا شاب مقيم في إحدى الدول الغربية، وأعمل في مجال الدعوة، حيث أتعامل مع العديد من المهتدين الجدد الذين يدخلون الإسلام يومًا بعد يوم. وأثناء ذلك، أواجه بعض المواقف التي تثير في نفسي تساؤلات كثيرة حول كيفية التعامل معهم.
فمثلًا، قد تدخل امرأة مهتدية حديثًا إلى المسجد وهي غير محجبة، أو قد تجلس بين الرجال لعدم معرفتها بالأحكام الشرعية، وربما يدخل شخص لا يزال يشرب الخمر، لكنه يحب الإسلام ويريد التعمق فيه.. فهل يجوز لنا التساهل في بعض الأحكام مؤقتًا لتأليف قلوبهم وترغيبهم في الدين، أم أن الالتزام يجب أن يكون صارمًا منذ البداية؟
أخشى أن يكون التشدد معهم سببًا في نفورهم، وأخشى كذلك أن يكون التساهل الزائد سببًا في تمييع الدين.. فما هو المنهج الصحيح في التعامل مع هذه الحالات؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فسؤالك من الأمور التي تواجه الدعاة، خاصة في المجتمعات الغربية، حيث يعتنق الإسلام أناسٌ جدد لم يتربَّوا على أحكامه ولم يتشربوا قيمه منذ الصغر.
أولًا: التدرج سنة شرعية وضرورة تربوية
فالإسلام منهج متكامل، لكنه لم يأتِ دفعة واحدة، بل نزل بالتدرج مراعيًا أحوال الناس وطبائعهم. فالله سبحانه وتعالى، وهو الأعلم بعباده، لم يحرم الخمر دفعة واحدة، بل جاء التحريم على مراحل، حتى استقر في نفوس الصحابة وتقبلته قلوبهم. وقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر، لقالوا لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل لا تزنوا، لقالوا لا ندع الزنا أبدًا", وهذا يدل على أن الشريعة راعت أحوال الناس عند دخولهم في الإسلام، ولم تطالبهم بكل الأحكام دفعة واحدة.
ثانيًا: تأليف القلوب ضرورة دعوية
فالهداية تحتاج إلى حكمة وصبر. وقد كان النبي ﷺ يستعمل أسلوب تأليف القلوب في دعوته، ومن ذلك إعطاؤه المؤلفة قلوبهم من الزكاة رغم إسلامهم، كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: "أن النبي ﷺ كان يُعطي رجالًا من قريش يتألفهم على الإسلام"، فإذا كان تأليف القلوب بالمال جائزًا، فمن باب أولى أن يكون بالتدرج في تطبيق الأحكام وإرشاد المهتدين الجدد برفق ولين.
ثالثًا: الضوابط الشرعية في التيسير والتدرج
اعلم -أخي السائل الكريم- أنّ التدرج لا يعني التهاون في الدين أو ترك الأحكام؛ بل هو وسيلة لضبط الانتقال إلى الالتزام الكامل دون تنفير. ومن الضوابط التي ينبغي مراعاتها ما يأتي:
1) التدرج مع الإصرار على التعليم: لا يُسقط الحكم الشرعي، لكن يُقدَّم للمهتدي الجديد بأسلوب يناسب حاله، فيُبين له الحكم، مع إعطائه فرصة للتدرج في تطبيقه.
2) التمييز بين الأمور الجوهرية (الأصلية) والفرعية؛ فهناك أمور لا يُقبل فيها التأخير، مثل التوحيد وأركان الإسلام، وهناك أمور يُمكن التدرج فيها، مثل الحجاب أو ترك بعض العادات السابقة.
3) عدم التساهل في المحرمات القطعية: لا يجوز إباحة الحرام بحجة تأليف القلوب، فلا يمكن مثلًا إباحة شرب الخمر لشخص دخل الإسلام، بل يُوجه بأسلوب حكيم إلى تركه تدريجيًّا كما وقع في زمن النبي ﷺ.
4) استخدام اللين دون تفريط أو إفراط: وفي الحديث "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه"؛ فالرفق مطلوب، لكن دون أن يؤدي إلى التفريط في الأحكام.
رابعًا: كيفية التعامل مع الحالات المذكورة في الاستشارة
1) امرأة مهتدية حديثًا غير محجبة تدخل المسجد: تُرحب بها، ويُبيّن لها فضل الحجاب بأسلوب رقيق دون أن تُمنع من دخول المسجد، حتى تقتنع بنفسها وتلتزم به.
2) جلوسها وسط الرجال لعدم معرفتها بالأحكام: يتم إرشادها بلطف إلى مكان النساء دون تعنيف أو إحراج.
3) شخص لا يزال يشرب الخمر بعد إسلامه: لا يُطلب منه تركه فورًا إن كان يجد صعوبة، بل يُرغب في التقليل التدريجي حتى يتركه تمامًا.
وختامًا:
فإنّ التعامل مع المهتدين الجُدد يحتاج إلى حكمة وموازنة بين التيسير والتدرج، دون إفراط يؤدي إلى تمييع الدين، أو تفريط يؤدي إلى تنفير الداخلين فيه، قال تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فليكن أسلوب الدعوة محببًا، بعيدًا عن التشدد المنفر، مع الحرص على غرس محبة الالتزام في القلوب حتى يصل المهتدي إلى مستوى التدين الكامل برضاه واقتناعه.