Consultation Image

الإستشارة 18/03/2025

ظهر على الساحة أحد الممثلين يتحدث بأمور دينية، وتحاول وسائل التواصل الاجتماعي أن تُظهر لنا مشاهير وفنانين يستخدمون مواهبهم لنقل رسائل دينية بطريقة مؤثرة ومحترمة، بل وتحويلها إلى محتوى خاص بهم. لكن الخلفية الدينية لهؤلاء ضعيفة جدًا، ولأنهم ليسوا من أهل العلم بسبب تركيزهم على الفن وتخصصهم في صناعة محتوى يضمن لهم الاستمرار، كما يفعل كل المشاهير. وخاصة إذا وقعوا في زلات أثناء الشرح أو التحليل، قد تكون سببًا في التشويش والضياع بين الأجيال المقبلة.

في نفسي تردد: هل يمكن أن يُؤخذ منه العلم الشرعي والديني، وأن يكون موجهًا دينيًا لشبابنا وأولادنا؟ أخشى على أفكار أولادنا، وخاصة إذا وُسِّد الأمر لغير أهله. فما رأيكم بهذه الظاهرة الدينية الفنية المنتشرة؟ وكيف السبيل لضبط هذا الأمر، خاصة أن البرنامج يتبعه 3 ملايين إنسان؟

الإجابة 18/03/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

 

فإني أشكر للسائل الكريم سؤاله؛ الذي تناسب مع الواقع، وفتح باب علم ومعرفة يجب أن تتوجه إليه جهود العلماء والدعاة والمصلحين، وليعلم الأخ السائل الكريم وكل من يقرأ الجواب، أننا في دعوة الله تعالى لا نصطدم مع الآخرين لمجرد أنهم أقحموا أنفسهم في نطاقات دعوية؛ فربما كانوا أقوى تأثيرًا من كثير من أهل العلم والكُتب والمتون، غير أنه لا بد من وقفات حول هذه المسألة نستبين منها ما يلزم للتعامل معها بشكل متوازن سليم، وأبين ذلك في النقاط التالية:

 

أولا: إن مسألة ظهور ممثلين ومشاهير يتحدثون في أمور الدين مع افتقارهم إلى العلم الشـرعي من مظانّه، مع ما يمتلكونه من أسلوب جذاب وحضور قوي، تضعنا أمام معادلة دقيقة بين "التأثير" و"الاختصاص".

 

ثانيًا: لا شك أن إيصال القيم الإسلامية بأسلوب مؤثر أمر محمود، خاصة إذا أُلبس بلباس يجذب قلوب الشباب ويصل إليهم بلغتهم المعاصرة، لكن -وهنا الشاهد- الدعوة ليست مجرد "تأثير" أو "إعجاب"؛ بل هي مسؤولية عظيمة وأمانة ثقيلة، قال الله تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذّر من تصدّر الجُهّال، بل عدّه في بعض الروايات من علامات الساعة.

 

ثالثًا: التأثير وحده لا يكفي، صحيح أن المشاهير قد يملكون أساليب تجذب القلوب وتؤثر، لكن التأثير بلا علم رصين مثل دواء يقدمه من لا يعرف المرض؛ قد يصيب، وقد يفسد أكثر مما يصلح.

 

رابعًا: ينبغي التفريق بين من "يُلهم ويدعو" الناس بأسلوبه الأخلاقي والتربوي في إطار القيم العامة، وبين من "يُفتي في أحكام الشـريعة" ويشـرح النصوص ويوجّه الأحكام الشـرعية بغير علم، فهذا خط أحمر لا يجوز تجاوزه، وينبغي أن يكون القول فيه لأهل التخصص كما ثبت في القرآن الكريم: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]، يعني: أهل التخصص.

 

خامسًا: ضوابط الدعوة عبر المشاهير:

 

1) المصدر الموثوق: الأصل في تلقي العلم أن يكون من أهله، قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

 

2) التخصص ضرورة: كما لا نأخذ الطب من فنان، ولا الهندسة من شاعر، لا يُؤخذ الدين إلا من أهل الفقه والعلم المعتبرين.

 

3) المحتوى الدعوي يُراجَع شرعيًّا ودعويًّا؛ فالدعوة قبل أن تكون ممارسة ونقل معلومات، هي علم وعلم أصيل، له عدد من المبادئ، التي يجب تعلمها قبل ممارسته.

 

وعلى هذا: يمكن الاستفادة من مهارات هؤلاء المؤثرين، لكن عبر إشراف علماء متخصصين من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية، وغيرها من المؤسسات المتاحة جغرافيًّا لمن أراد أن يمارس أو ينقل قِيَمًا من الفنانين في بلاده؛ بحيث يقوم هؤلاء المتخصصون من مراجعة المحتوى قبل نشـره؛ لضمان عدم الوقوع في الأخطاء.

 

4) التمييز بين الدعوة العامة والعلم الشـرعي المتخصص: فمن يتحدث في الأخلاق والقيم بأسلوب تربوي حسن، يمكن أن يكون ملهمًا، لكن ليس "مُفتيًا" ولا "عالمًا"؛ حتى لا يُفهم كلامه على أنه تشـريع أو توجيه ديني.

 

سادسًا: المقترحات وخطة التحسين لتصدر غير لمتخصصين للدعوة:

 

فبدلاً من محاربة هذه الظاهرة بأسلوب التصادم الذي قد يصرف النفع عن الناس، وربما يزيد من شعبية غير المتخصصين أكثر وأكثر، بشكل لم يكن منشودًا لدى الدعاة وأهل التخصص، فيمكن أن نعمل على تحقيق الآتي:

 

1) إعداد منصات قوية يقودها علماء بمهارات إعلامية حديثة، تجمع بين العمق الشرعي والأسلوب الجذاب.

 

2) تشجيع المشاهير على التعاون مع أهل العلم لتقديم محتوى راقٍ دون انزلاقات شرعية.

 

3) توعية الجمهور بضرورة التمييز بين "المؤثر المُلهم" و"العالم الموجه".

 

وختامًا: ليس كل مؤثر يصلح للدعوة، ولا كل داعية يصلح أن يكون مؤثرًا إعلاميًّا، وإنما نحتاج إلى مزج "الاختصاص" بـ"الأسلوب المؤثر"، لتكون الدعوة قائمة على العلم الصحيح وتصل إلى القلوب برفق وحكمة، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).

 

وأسأل الله في ختام كلماتي أن يرزق أمّتنا هداية ورشادًا، وأن يعين علماءها على الوحدة والتكامل والتعاون والتعاضد، وأن يكتب الهداية لخلقه حيث كانوا على الوجه الذي يريده سبحانه. وصل اللهم وسلّم وبارك على سيد الخلق وإمام الهداة.

الرابط المختصر :