الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : دعوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
157 - رقم الاستشارة : 1163
28/02/2025
مع حلول شهر رمضان، أجد نفسي راغبًا في الإنفاق والعطاء، لكنني أحيانًا أتساءل عن الضوابط الشرعية والعملية للإنفاق، وكيف أحقق التوازن بين السخاء وعدم التبذير؟ وكيف يكون إنفاقي مؤثرًا حقًا في حياة الآخرين، وليس مجرد عادة موسمية؟ أرجو توجيهي نحو أخلاق الإنفاق الصحيحة، خاصة في هذا الشهر الفضيل.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أخي الكريم، إن الإنفاق في سبيل الله من أعظم القربات، وهو سمة بارزة من سمات رمضان، فقد كان النبي ﷺ "أجودَ الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان"، فالإنفاق ليس مجرد إخراج المال، بل هو تهذيب للنفس، وتربية على الرحمة، وإحياء لمعاني التكافل في المجتمع.
وإليك الآتي:
أولًا: فلسفة الإنفاق في الإسلام
- الإنفاق تهذيب للنفس؛ فالمال قد يكون فتنة، وقد يؤدي إلى التعلق بالدنيا، والإنفاق يحرر القلب من هذه القيود، ويقول الله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} أي: أن العطاء ليس فقط نفعًا للفقير، بل هو تزكية وتنقية لروح المنفق نفسه.
- الإنفاق باب عظيم للبركة: فمن سنن الله في المال أن الصدقة لا تنقصه، بل تزيده وتباركه، كما قال النبي ﷺ: "ما نقص مالٌ من صدقة"، وقد وعد الله المعوضة للمنفقين: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ".
- الإنفاق تكافل وإحساس بالآخرين: فرمضان مدرسة الشعور بالفقراء، فالجائع يرحم الجائع، والمحروم يعطف على المحروم فـ: "ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع إلى جنبه".
ثانيًا: أنواع الإنفاق المحمود في رمضان
- الصدقة العامة: مثل توزيع الطعام، أو المساهمة في إفطار الصائمين، أو إعانة المحتاجين نقدًا أو عينًا.
- الزكاة المفروضة: كثير من الناس يؤخر زكاته إلى رمضان ليضاعف الأجر، وهذا أمر حسن، لكن يجب صرفها لمستحقيها الحقيقيين.
- الصدقة الجارية: مثل بناء المساجد، حفر الآبار، طباعة المصاحف، أو دعم مشاريع تعليمية للمحتاجين.
- إكرام الأهل والجيران: "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح"، فرمضان فرصة لصلة الرحم، والإنفاق عليهم يُضاعف الأجر.
ثالثًا: ضوابط الإنفاق المتوازن
- الاعتدال بين الكرم وعدم الإسراف، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، فلا تجعل الإنفاق في رمضان عادة موسمية، بل اجعله سلوكًا مستمرًا طوال العام.
- تقديم الأهم فالأهم: فإنفاقك يجب أن يكون في أبواب ذات أثر أكبر، فلا يُعقل أن تنفق على موائد ضخمة بينما جارك لا يجد قوت يومه.
- الإخلاص والسرية في العطاء: وفي الحديث؛ "سبعة يظلهم الله في ظله… ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، فكلما كان العطاء خفيًّا، كان أبرك وأعظم أجرًا.
رابعًا: كيف نجعل رمضان انطلاقة للإنفاق الدائم؟
- وضع خطة للإنفاق: خصص جزءًا من دخلك شهريًّا للأعمال الخيرية، بدلًا من حصرها في رمضان.
- إشراك الأسرة في العطاء: علّم أولادك الصدقة منذ الصغر، وخصص لهم صندوقًا يجمعون فيه ما يستطيعون من أجل الفقراء.
- البحث عن مشاريع مستدامة: بدلًا من الصدقات المؤقتة، ابحث عن مشاريع خيرية مستمرة، مثل كفالة الأيتام، أو المساهمة في برامج تعليمية للفقراء.
وأخيرًا: إن الإنفاق عبادة قلبية قبل أن يكون مالية
أخي الكريم، اجعل من إنفاقك في رمضان بدايةً لتحول دائم في سلوكك المالي، بحيث يكون المال وسيلةً لنفع الناس، وليس مجرد أرقام في حسابك. ونسأل الله أن يجعلنا وإياك من الكرماء المحسنين، وأن يبارك في أموالنا وأعمالنا، ويكتب لنا أجر المنفقين المخلصين.