الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الفتور والضعف
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
38 - رقم الاستشارة : 2892
07/10/2025
السلام عليكم..
أنا رجل متدين وملتزم في المظهر، ومحافظ على الصلاة، وباتقي الله في شغلي، لكن في بيتي، وخصوصا لما أكون وحدي باعمل معاصي، ومش باقدر أقاوم، وبعد كده باندم وأقرر التوبة، لكني بارجع تاني لنفس المعاصي، لكن ده مش بيأثر على التزامي بالصلاة والأخلاق الحسنة بره البيت.
هل ده يعتبر نفاق؟
وإزاي أخرج من الحالة دي ويبقى ظاهري كباطني؟
مرحبًا بك أخي الكريم، وأشكرك جزيل الشكر على هذه الثقة التي وضعتها فينا، وعلى شجاعتك في طرح هذا السؤال العميق والصادق، وأسأل الله أن يفتح عليك أبواب رحمته ومغفرته، وأن يثبِّت قلبك على الحق، ويأخذ بيدك إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعينك على تزكية نفسك وتطهير باطنك، وبعد...
أخي الفاضل، إن ما تشعر به هو جزء من الصراع الأبدي الذي خلقه الله في قلب كل إنسان ليكون محكًّا للابتلاء ووسيلة للارتقاء. وإن إحساسك بالندم بعد المعصية، وقرارك المتكرر بالتوبة، دليل على أن قلبك ما زال حيًّا، وأن بذرة الإيمان ما زالت قوية الجذور في داخلك، فالمنافق لا يندم ولا يتوب، بل يستمرئ المعصية وقد يجاهر بها.
وكذلك التزامك بالصلاة والمظهر والأخلاق الحسنة في الظاهر هو فعل طيب تؤجر عليه بإذن الله إن أخلصت فيه النية لله، وابتغيت به رضوانه وثوابه. أما خلوتك التي تسقط فيها فهي المساحة التي تحتاج إلى مجاهدة منك لنفسك، وطلب المدد والعون من الله ليخرجك منها وينجيك منها.
هل ما تفعله يعدٌّ نفاقًا؟
لا تعدُّ هذه الحالة -قطعًا- من النفاق الأكبر المخرج من الملة، والعياذ بالله، الذي ينبع من عقيدة فاسدة، يظهر صاحبها الإيمان ويبطن الكفر، ويخادع الله ورسوله، كحال الذين قال الله فيهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 8 و9].
أما ما تصفه أنت، فهو يندرج تحت ما يسميه العلماء «نفاق العمل»، وهو الذي يظهر في صفات أو أعمال معينة قد يفعلها المؤمن؛ لكنها لا تخرجه من الإيمان؛ بل تنقص درجته وتضره. والدليل على ذلك حديث النبي ﷺ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» [متفق عليه].
ومهم جدًّا أن تدرك أن شعورك بالذنب والندم هو علامة إيمان عظيمة؛ لأن المنافق لا يأبه بالذنوب؛ بل يستخف بها. فخوفك من النفاق هو خوف المؤمن المحب لله، والساعي لرضاه. وقد ورد عن السلف الصالح قولهم: «ما خاف النفاق إلا مؤمن، ولا أمِنَه إلا منافق».
كيف تخرج من هذه الحالة؟
لتجاوز هذه الحالة، أنصحك بالتالي:
1- التوبة الصادقة المتجددة:
إن أفضل سلاح لمواجهة المعصية هو التوبة الدائمة والإنابة المتكررة، بصدق في كل مرة وندم، دون يأس أو ملل، وتذكر أن الله -تعالى- هو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأن بابه مفتوح دائمًا. يقول النبي ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» [رواه مسلم].
2- أتبع السيئة الحسنة:
اجعل لكل معصية تقع فيها حسنة بعدها مباشرة لتمحوها، قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]. وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا» [رواه الترمذي].
3- الدعاء والاستغاثة بالله:
ألِحَّ على الله بالدعاء في سجودك، وفي أوقات الإجابة، أن يطهر باطنك ويقوي إرادتك. ادعُ بقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].
4- سد أبواب المعصية:
إن المعصية التي تقع فيها إنما تحدث خلال خلوتك، فحاول قدر استطاعتك ألا تبقى وحيدًا في بيتك فترات طويلة تتيح لك العودة للمعصية. اشغل وقتك ببرامج نافعة، أو اجعل مكان وجودك في البيت مفتوحًا ولو على أماكن مرور أهلك (إذا كان هذا ممكنًا ولا يسبب إحراجًا).
وإذا كانت معصيتك متعلقة بوسيلة معينة (كجهاز إلكتروني أو برنامج ما)، فاجتهد في إزالة هذا السبب أو تقنين استخدامه بشكل صارم.
وإن اضطررت للخلوة فقبل أن تدخل فيها، خاطب نفسك واشترط عليها واعزم أن تستثمر الخلوة في شيء مفيد يملأ الفراغ، مثل: قراءة الورد اليومي من القرآن الكريم بتدبر.
5- تقوية مراقبة الله والإحسان:
إن الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف هو يقظة القلب في الخلوة. فتذكر دائمًا أن الله ناظر إليك، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ﴾ [العلق: 14]. وأن هناك ملائكة تسجل أعمالك، قال عز وجل: ﴿وإنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10- 12].
ربِّ نفسك على الإحسان، وارتقِ بها من مقام الإسلام (الأعمال الظاهرة) إلى مقام الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه. قال النبي ﷺ في تعريف الإحسان: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» [رواه مسلم]. فهذا الشعور هو وقود النجاة.
6- الصحبة الصالحة:
املأ فراغك بالتواصل مع الصالحين، وصحبتهم، يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
وختامًا أخي الحبيب، إن السقوط المتكرر هو اختبار لصدق توبتك وقوة إرادتك. فلا تيأس أبدًا من روح الله ورحمته. واصل جهادك، استغفر بصدق بعد كل سقطة، وانهض من جديد. تذكر أنك مأجور على استمرارك في التوبة وجهادك لنفسك، وتوكل على الله، وسترى الفرج والهداية قريبًا، بوعد الله تعالى: ﴿والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]. حفظك الله ورعاك، وفتح لك سبل الخير.
روابط ذات صلة: