ماذا يفعل من ينام عن «الفجر» رغم أخذه بالأسباب؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الفتور والضعف
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 95
  • رقم الاستشارة : 2680
13/09/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا رجل في منتصف الأربعينات، أحافظ على الصلوات ولله الحمد، لكن مشكلتي الكبرى مع صلاة الفجر، إذ غالبًا ما يغلبني النوم خصوصًا في الشتاء أو بعد الإرهاق رغم محاولاتي المتكررة بالنوم المبكر أو استخدام المنبّه. أشعر بالخوف من الله بسبب ذلك التقصير، ويلازمني تأنيب ضمير شديد بعد كل تفريط.

فما هي الوسائل العملية التي تعينني على الحفاظ على صلاة الفجر في وقتها؟

وما العمل لو أني استخدمت هذه الوسائل ولم أستطع القيام للصلاة؟

الإجابة 13/09/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

حيَّاك الله أخي الكريم، وبارك فيك، وأسأل الله أن يفتح لك أبواب رحمته، ويعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وبعد...

 

فلا يخفى عليك -أخي العزيز- أن لصلاة الفجر مكانة عظيمة في ميزان الله، فقد قال تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: 78]. فهذه الصلاة يشهدها ملائكة الليل والنهار، ولذا كان النبي ﷺ يقول: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» [متفق عليه].

 

أخي الحبيب، إن صلاة الفجر ليست مجرد صلاة، بل هي مفتاح يومك وبركته، وهي بمثابة العهد اليومي الذي تجدده مع خالقك. إنها الصلاة التي تتطلب منك جهدًا خاصًّا، ولهذا كان ثوابها عظيمًا وأجرها كبيرًا.

 

وقد قال النبي ﷺ «مَن صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهو في ذِمَّةِ اللَّهِ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ، فإنَّهُ مَن يَطْلُبْهُ مِن ذِمَّتِهِ بشيءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبُّهُ علَى وجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ» [رواه مسلم]. يا له من فضل عظيم! إنك بمجرد أداء صلاة الفجر تكون في حفظ الله ورعايته وحمايته طوال يومك.

 

وسائل معينة على القيام لصلاة الفجر

 

هناك وسائل ظاهرة وأخرى باطنة، جمعها العلماء وأوصى بها أهل التزكية، منها:

 

1- النوم المبكر وترك السهر: فالنبي ﷺ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها [رواه البخاري]، ليبقى الجسد مستعدًا للقيام. فحاول قدر المستطاع أن تنام مبكرًا، وتبتعد عن الملهيات التي تُذهب الأوقات.

 

2- النية الصادقة والعزم: فمن عزم على القيام بعزيمة قلبية قوية أعانه الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]. فاجعل في قلبك إصرارًا على أن تستيقظ مهما كان، وكرر الدعاء قبل نومك بأن يوفقك الله ويعينك للقيام.

 

3- الوضوء قبل النوم وذكر الله: فقد أوصى النبي ﷺ بذلك، وقال: «إذا أويت إلى فراشك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن...» [متفق عليه]. وقال ﷺ: «إذا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنَامِهِ، بَاتَ مَلَكٌ في شِعَارِهِ، فَلَا يَسْتَيْقِظُ إلَّا قالَ المَلَكُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ فُلَانًا» [رواه ابن حبان]. ومن داوم على الأذكار، وجد فيها بركة عظيمة وحفظًا من الله.

 

4- استخدام المنبِّهات المتكررة: اضبط أكثر من منبِّه، أو استخدم تطبيقات الهاتف التي لا تنطفئ إلا بعدة خطوات، وتكون بصوت يوقظك فعلًا. وأوصِ أحدًا من أسرتك أو عائلتك أو أصدقائك المواظبين على صلاة الفجر، بأن يوقظك، فالتعاون على إقامة الصلاة في وقتها من أعظم القربات.

 

5- تجنب الإرهاق الزائد: فالمبالغة في السهر والعمل المتواصل تُضعف البدن وتثقل عن العبادة. فأعط لبدنك حقه، فهو مطيتك إلى الطاعة.

 

6- الصحبة الصالحة: من أكبر المعينات أن يكون لك صديق أو جار يوقظك للفجر، أو تتعاهدان على الذهاب معًا للمسجد. يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود]. وقال أيضًا: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» [متفق عليه].

 

7- الدعاء واللجوء إلى الله:

 

فالمستعان الحقيقي هو الله، والموفَّق من وفَّقه الله. وكم من عبدٍ طرق أبواب الأسباب كلَّها، ولم يُفتح له الباب حتى لجأ إلى ربِّه بصدق، فداوم على الدعاء والابتهال إلى الله والتضرع كي يوفقك لهذه العبادة العظيمة.

 

ماذا لو أخذت بهذه الوسائل ولم تستيقظ؟

 

اعلم أخي الكريم أن الله رحيم بعباده، ولا يكلف نفسًا إلا وسعها. فمن غلبه النوم رغم أخذه بالأسباب، فهو معذور عند الله. قال ﷺ: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» [متفق عليه].

 

ولكن تذكَّر أمرين مهمين:

 

- أن تحرص على أن يكون تقصيرك بغير تهاون ولا تفريط متعمَّد؛ بل عن عجز وغلبة.

 

- أن تبادر بالصلاة فور استيقاظك، وألا تؤخرها دون عذر.

 

وختامًا -أخي الحبيب- لا تجعل الشيطان يدخل عليك من باب تأنيب الضمير المفرط حتى يُقنطك من رحمة الله. نعم، شعورك بالندم دليل حياة قلبك، ولكن ليكن ندمًا يحرِّكك للأمام، لا يقيِّدك بالعجز. واعلم أن الله يفتح أبواب المغفرة لمن يجاهد نفسه ويحرص على الطاعة.

اجعل شعارك أن صلاة الفجر هي عهد مع الله، ولقاء يومي تُجدِّد فيه بيعتك مع ربك. وأكثر من الدعاء: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».

 

أسأل الله أن يفتح لك أبواب البركة، وأن يجعل قلبك معلقًا ببيوته، وأن يرزقك لذة القيام لصلاة الفجر حتى تلقاه وهو عنك راضٍ. وتابعنا بأخبارك.

الرابط المختصر :