يتقلب مزاجي فأقصِّر في العبادات.. الأسباب أولًا!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الفتور والضعف
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 81
  • رقم الاستشارة : 2586
03/09/2025

أعاني من اضطراب في المزاج، أحيانًا أكون مرتاحة النفس ومقبلة على الطاعات، وأحيانًا أُصاب بالفتور والانطواء، وأكره كل شيء، حتى الصلاة.

لا أُقصّر عن عمد، لكن حالتي النفسية تُسيطر.

هل يُحاسبني الله على هذه الحالة؟

وكيف أُقاوم تقلباتي هذه وشعوري بالذنب كلما أتتني؟ وكيف أجعلها لا تأتيني أساسًا؟

الإجابة 03/09/2025

مرحبًا بك أيتها السائلة الكريمة، وأسأل الله العليَّ القدير أن يُسدد خُطاك، ويُيسر لك كل عسير، ويشرح صدرك، ويُزيل همك، وأن يرزقك الطمأنينة والسكون في كل أوقاتك، وبعد...

 

فإن قلب الإنسان ليس مسطحًا مستويًا؛ بل هو بحر تعلو أمواجه حينًا وتهدأ حينًا، وكالشمس التي تشرق أحيانًا وتختفي خلف الغيوم أحيانًا أخرى.

 

إن إحساسك بالفتور والتقلبات المزاجية هو جزءٌ من طبيعة النفس البشرية، وشعورك بالذنب تجاه هذه التقلبات هو علامة على سلامة قلبك، ورغبتك الصادقة في التقرب إلى الله. فالذي لا يبالي بالفتور هو من يجب أن يُخشَى عليه. أما أنت، فداخلك نور يرفض الظلام، ويحاول جاهدًا أن يظل مُتصلاً بالله، فاطمئني.

 

هل يُحاسبك الله على هذه الحالة؟

 

أختي الكريمة، إن رحمة الله أوسع من أن تُحيط بها العقول، وهو –سبحانه- لا يظلم أحدًا؛ يعلم ما في الصدور، ويعلم أن هذه التقلبات ليست عن عمد منك.

 

إن الله -سبحانه وتعالى- لا يُحاسبنا على ما لا نملك التحكم فيه. فالله يعلم أن هذه الحالة النفسية قد تُسيطر عليك وتُعيقك عن أداء بعض الطاعات بكامل نشاطك. يقول تعالى: ﴿لَا يُكلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]. إنَّ الله يُحاسبنا على النية والجهد الذي نبذله، لا على الكمال الذي قد لا نبلغه. فما دمتِ تجاهدين نفسك وتُحاولين، فالله يُقدِّر هذا الجهد ويُثيبك عليه.

 

نعمة الشعور بالذنب

 

شعورك بالذنب هو في الحقيقة نعمة من الله، هو إشارة إلى أن الفطرة ما زالت سليمة، هو دليل على أنك تحبين الله وتحبين قربه، ولا ترضين عن نفسك حال ابتعادك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخافُ أنْ يَقَعَ عليه، وإنَّ الفاجر يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ علَى أنْفِهِ فقالَ به هَكَذا» [رواه البخاري].

 

كيفية مقاومة هذه التقلبات

 

إليك بعض الطرق التي ستعينك بإذن الله:

 

- ابحثي عن الأسباب الحقيقية

 

ما ذكرتِه هو أعراض لحالة معينة، وليس الحالة نفسها. ومع الأسف، كثير من الناس يكتفون بعلاج الأعراض دون البحث عن أسبابها الحقيقية. اسألي نفسك: هل هذه الحالة مرتبطة بضغوطات في العمل أو الدراسة؟ هل هي ناتجة عن مشكلات اجتماعية أو أسرية؟ هل هي مرتبطة بأمور صحية، كقلة النوم أو سوء التغذية؟

 

لم تُذكري لنا تفاصيل عن عمرك أو ظروفك الاجتماعية؛ لكنك أدرى بنفسك وبحياتك. فجرِّبي أن تُراقبي نفسك: متى تحدث هذه التقلبات؟ وما الذي يسبقها؟ قد يكون الحل في تغيير بسيط في نمط حياتك، أو في التحدث مع شخصٍ موثوق به. وإن رغبت في إرسال مزيد من التفاصيل لاحقًا، فإننا نُرحب بذلك حتى نُقدم لك إرشادًا أدق وأكثر تفصيلًا.

 

- إلا الفرائض!

 

حتى في فترات الفتور، إياك أن تتركي الفرائض، فالنبي ﷺ يقول: «إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ، ولكلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فمن كانت فترتُه إلى سُنَّتِي فقد اهتدى، ومن كانت فترتُه إلى غير ذلك فقد هلك» [رواه ابن حبان]. وهذا الحديث الشريف يوضح لنا طبيعة النفس البشرية، فكلمة «شِرَّةٌ» تعني النشاط والقوة والحماس في العبادة، أما «فَتْرَةٌ» فتعني الضعف والفتور. والحديث يُبين أن هذه سنةٌ كونية، وأن المهم هو أين يتجه الإنسان في فترات فتوره.

 

إن المؤمن الحقيقي هو الذي لا يسمح لفتوره أن ينزل به عن الحد الأدنى من الواجبات والفرائض، وأهمها الصلاة، فهذه الفرائض هي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، والتقصير فيها يؤثم المرء. أما النوافل والسنن فهي ما يُجبر بها النقص، ويعظم بها الأجر في أوقات النشاط.

 

- تنويع العبادات

 

قد يكون الروتين والاعتياد والتكرار هو سبب الملل، فجربي أن تنوعي عباداتك، وتتنقلي بينها: أذكار، تلاوة القرآن، قيام الليل، صلاة الضحى، الدعاء، الاستماع إلى الدروس والمحاضرات، ولا مانع أن تتخلل ذلك أنشطة أخرى نافعة، أو هوايات مفيدة، تروِّح عن قلبك وتجدد عزيمتك ونشاطك.

 

وختامًا أختي الكريمة، أسأل الله أن يرزقك الطمأنينة، وأن يملأ قلبك بنوره، وأن يُثبتك على الحق حتى لقائه، والحمد لله رب العالمين.

الرابط المختصر :