الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الفتور والضعف
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
265 - رقم الاستشارة : 2140
19/07/2025
أنا أحيانًا أهمل قراءة القرآن أو أؤجل النوافل، وأحيانًا ما أصليها بالمرة، والسبب إني أكون تعبان جسديًا وذهنيًا بعد يوم طويل من الشغل والمسؤوليات.
يعني مثلًا، صعب علي ألتزم بورد يومي من القرآن، أرجع البيت هلكان، وأؤجل القراءة لآخر الليل، وأحيانًا يغلبني النوم وما أقرأ شي، ونفس الشي حق النوافل، مثل صلاة الضحى أو قيام الليل، أؤجلها أو أتركها بحجة إني مالي خلق أو ما عندي وقت.
أحس بتقصير كبير تجاه ربي، شلون أقدر أتغلب على هالتعب والانشغال بطريقة عملية؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، وأسأل الله أن يفرج همك، وييسر أمرك، ويوفقك لكل خير، وأن يعينك على طاعته وحسن عبادته، وأن يرفع قدرك في الدنيا والآخرة، وبعد...
يا أخي الكريم، إن كلماتك تصف حال كثيرين منا في زحمة الحياة ومشاغلها، حيث تتراكم المسؤوليات وتزداد الأعباء، ويصبح الجسد والذهن منهكين بعد يوم طويل. ولكن شعورك بالتقصير تجاه ربك هو بحد ذاته دليل على خير عظيم في قلبك، ودليل على إيمانك الصادق وحرصك على مرضاة الله، وهذا الشعور هو أول خطوة نحو التغيير والإصلاح.
اعلم -يا أخي- أن الله هو أرحم الراحمين، وهو أعلم بضعف عباده ومحدودية طاقتهم، وهو –سبحانه- لا يكلف نفسًا إلا وسعها. فديننا الحنيف دين يسر وسماحة، جاء ليرفع الحرج عن الناس، لا ليثقل عليهم. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]. فالله يعلم قدرتك وطاقتك، ومجرد سعيك وحرصك على الطاعة، حتى وإن قصَّرت أحيانًا بسبب الإرهاق، هو أمر تؤجر عليه بإذن الله.
أولًا- التعامل مع إهمال قراءة القرآن الكريم:
إن القرآن الكريم هو نور القلوب، وشفاء الصدور، وهو حبل الله المتين الذي من تمسك به نجا. ولكننا ندرك أن التعب قد يحول دون الالتزام بورد يومي كبير. فإليك بعض الحلول العملية التي تعينك بإذن الله:
1- القليل الدائم خير من الكثير المنقطع:
لا تشغل بالك بالورد الكبير الذي قد يعجزك في بداية الأمر. ابدأ بما تستطيع المداومة عليه، ولو كان يسيرًا جدًّا. قال رسول الله ﷺ: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» [صحيح مسلم].
اجعل لك وردًا ولو آية واحدة بعد كل صلاة مفروضة. خمس صلوات بخمس آيات في اليوم، ستجد نفسك قد قرأت عددًا لا بأس به من الآيات دون أن تشعر بالإرهاق.
أو خصص خمس دقائق فقط قبل النوم، أو بعد الاستيقاظ مباشرة، لقراءة صفحة أو بضع آيات. المهم هو المداومة على هذا القدر القليل.
2- استغلال الأوقات البينية:
هل تقضي وقتًا في المواصلات؟ هل تنتظر دورك في مكان ما؟ هل لديك استراحة قصيرة في العمل؟ استغل هذه الأوقات لقراءة جزء يسير من القرآن من هاتفك المحمول أو من مصحف صغير. هذه الدقائق المتفرقة قد تتجمع لتصبح وقتًا كبيرًا مباركًا.
3- الاستماع إلى القرآن:
إذا كان التعب يمنعك من القراءة بالنظر، فاستمع إلى القرآن الكريم. إن الاستماع للقرآن عبادة عظيمة، وقد تكون أيسر عليك في أوقات الإرهاق. استمع للقرآن في سيارتك، أو في أثناء قيامك بالأعمال المنزلية الخفيفة، أو قبل النوم. قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204].
4- تجديد النية والاستعانة بالله:
كلما شعرت بالتقصير، جدد نيتك الصادقة على قراءة القرآن. تذكر أنك تفعل ذلك حبًّا لله وطمعًا في أجره. واستعن بالله -عز وجل- فهو المعين والموفق. ادعُ الله أن يبارك لك في وقتك وجهدك وأن يرزقك الهمة لقراءة كتابه.
ثانيًا- التعامل مع تأجيل النوافل وتركها:
النوافل هي قربان العبد لربه، وهي تجبر النقص في الفرائض، وترفع الدرجات. وشعورك بالتقصير تجاهها دليل على حبك للخير. إليك بعض الطرق العملية للتعامل معها:
1- صلاة الضحى:
صلاة الضحى وقتها ممتد من بعد شروق الشمس بحوالي 20 دقيقة إلى قبيل أذان الظهر بحوالي 10 دقائق. ويمكنك أن تصليها ركعتين فقط، وهما أقل عدد. قال رسول الله ﷺ: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» [رواه مسلم].
حاول أن تجعلها جزءًا من روتينك الصباحي قبل الذهاب للعمل، أو فور وصولك إلى العمل إذا كان ذلك ممكنًا، أو في أول استراحة لك. المهم أن تحدد لها وقتًا ثابتًا لا تتنازل عنه.
2- قيام الليل:
قيام الليل ليس شرطًا أن يكون طويلًا أو في جوف الليل. يمكنك أن تصلي ركعة الوتر فقط بعد صلاة العشاء مباشرة قبل النوم، أو ركعتين خفيفتين ثم الوتر.
إذا غلبك النوم بسبب الإرهاق، فاجعل نيتك الصادقة أن تقوم الليل. قال رسول الله ﷺ: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح، كُتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه» [رواه النسائي]. وهذه رحمة عظيمة من الله!
إذا استطعت أن تستيقظ ولو لدقائق قليلة قبل الفجر، فصلِّ ركعتين خفيفتين ثم الوتر. هذا خير عظيم.
ثالثًا- التغلب على التعب والانشغال بطريقة عملية:
1- التخطيط والتنظيم:
حاول أن تخصص وقتًا ثابتًا ولو قصيرًا جدًّا لعباداتك في جدولك اليومي. فالتنظيم يبارك في الوقت، ويجعلك أكثر قدرة على الإنجاز.
اكتب مهامك اليومية، وحاول أن تضع العبادات ضمن أولوياتك، حتى لو كانت في شكل مهام صغيرة قابلة للإنجاز.
2- الاستعانة بالدعاء:
أكثر من الدعاء، فالدعاء مفتاح كل خير. ادعُ الله أن يبارك لك في وقتك، وأن يمنحك القوة والنشاط لأداء الطاعات، وأن يرفع عنك التعب والكسل.
ادعُ بالأدعية النبوية، مثل: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال» [رواه البخاري].
3- تذكر الأجر العظيم:
كلما شعرت بالتعب أو الكسل، تذكر الأجر العظيم الذي ينتظرك عند الله تعالى. تذكر أن هذه العبادات هي استثمار لحياتك الدنيا والآخرة. هذا التذكر يبعث الهمة ويقوي العزيمة.
4- الصحبة الصالحة:
ابحث عن صحبة صالحة تعينك وتذكرك بالله، وتشجعك على الطاعات. يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود].
5- أخذ قسط كافٍ من الراحة:
لا تنسَ أن لجسدك عليك حقًّا. حاول أن تنظم نومك وتحصل على قسط كافٍ من الراحة. فالجسد المرتاح يكون أكثر قدرة على أداء الطاعات والقيام بالمسؤوليات. قال رسول الله ﷺ: «إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه» [رواه البخاري].
وختامًا أخي الكريم، تذكر دائمًا أن الدين يسر، فلا تكلف نفسك ما لا تطيق فتمل وتترك. ابدأ بالقليل، ومع الوقت ستجد أن الله يفتح عليك ويزيد في همتك ونشاطك. قال رسول الله ﷺ: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» [رواه البخاري].
ولا تيأس من رحمة الله، فالله غفور رحيم، ويحب من عباده أن يتقربوا إليه بما استطاعوا. فاستمر في مجاهدة نفسك، وابدأ بخطوات صغيرة ثابتة، وسترى كيف يبارك الله لك في وقتك وجهدك. قال الله تعالى: ﴿والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]
نسأل الله أن يتقبل منك صالح أعمالك، وأن يرزقك الإخلاص والثبات، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.