«الإباحية» تدمرني.. وسائل عملية للنجاة

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الفتور والضعف
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 174
  • رقم الاستشارة : 2567
01/09/2025

أنا طالب بالجامعة، في أوقات الفضاوه أو لما أحس إني ضعيف، أطيح في مشاهدة أشياء ما هي زينة في الإنترنت.

أدري إنها حرام، وكل ما أطيح أتوب، بس بسرعة أرجع. الموضوع هذا هدّ حيلي وتعبني نفسيًا، وأحس بركة حياتي راحت بسببه.

كيف أقفل هالباب نهائي؟

وهل فيه طرق عملية تساعدني إني أترك هالأشياء المحرّمة بدون ما أتعب من الصراع اليومي؟

الإجابة 01/09/2025

مرحبًا بك يا ولدي، وأسأل الله أن يفتح عليك أبواب الخير، وأن يبارك فيك، وأن ييسر لك كل أمر عسير، ويرزقك الطهر والعفاف، وأن يهديك إلى سواء السبيل، وبعد...

 

فالفراغ والشعور بالضعف والاستسلام للشهوة، أمور يتعرض لها أي شاب في حياته، خصوصًا مع الضغوط الدراسية والاجتماعية، وطبيعة سنه، وكثرة الفتن والمغريات من حوله، وسهولة الوصول للمحرمات؛ لكن ما يميزك هو أنك واعٍ بضرر هذا الأمر، وتشعر بالندم، وتسعى للخلاص.

 

لماذا نقع في هذا الفخ؟

                                   

ولدي الحبيب، لقد ذكرت سببين رئيسيين لوقوعك في هذا الفخ: الفراغ والشعور بالضعف، وهذان سببان حقيقيان ومنطقيان في مرحلتك العمرية، فالحياة الجامعية قد تكون مليئة بأوقات الفراغ غير المخطط لها. وإذا لم تشغل نفسك بأشياء مفيدة، فإن النفس ستشغلك بما هو باطل. وهذا يشبه الأرض القاحلة، إن لم تزرع فيها نباتًا جميلًا مفيدًا، نبتت فيها الأعشاب الضارة.

 

والشعور بالضعف قد يكون ناجمًا عن ضغوط الدراسة، أو صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية قوية، أو حتى الشعور بالوحدة. وعندما يشعر الشاب بالضعف، قد يقع فريسة للشهوات المحرمة، ويظن أنها ملاذ ينسيه آلامه، وما هي إلا فخ يزيد من آلامه ويضاعفها.

 

إن هذا الفخ الذي تقع فيه من حين لآخر ليس مجرد ذنب؛ بل هو مرض يؤثر على القلب والروح والهمة. لقد شعرت بفقدان بركة حياتك وهذا إحساس صحيح. فالمعاصي تمحق بركة الوقت والجهد، وتذهب بنور الوجه، وتضعف الهمة في الدراسة، وتجلب الكدر.

 

روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «إن للحسنة نورًا في القلب، وضياءً في الوجه، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الناس. وإن للسيئة ظلمة في القلب، وسوادًا في الوجه، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الناس».

 

كيف نغلق هذا الباب؟

 

إن الحل -يا ولدي- ليس في مجرد التوبة اللحظية، بل في التوبة النصوح التي تستند إلى تغييرات جذرية وعملية في حياتك الجامعية والشخصية.

 

إن الخطوة الأولى على طريق النجاة وإغلاق هذا الباب، أن تعلن توبتك مع الله الآن وفورًا، توبة صادقة، وتذكَّر أن الله غفور رحيم، يقبل توبة عبده مهما عظم ذنبه. يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

 

لا تجعل اليأس يتسلل إلى قلبك، فالشيطان يوسوس لك بأنك لن تستطيع ترك هذا الذنب، وأن توبتك لن تقبل. وهذه خديعة منه، فالله يفرح بتوبة عبده. قال رسول الله ﷺ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» [رواه مسلم].

 

وسائل عملية للتحكم في الشهوة

 

ثم تأتي حلول عملية ستقوي إرادتك وتساعدك على الانتصار في هذا الصراع، ومنها:

 

1- السعي للزواج:

 

إن من أعظم سبل العفاف وغض البصر، الزواج. فإذا كنت أيها الشاب الكريم قادرًا على الزواج، فاجعله هدفًا تسعى إليه بجد. إن الزواج ليس مجرد إشباع لرغبة؛ بل هو حصن من الشيطان، وسبب للطمأنينة والسكن. يقول رسول الله ﷺ: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» [رواه البخاري]. فاجعل هذا الأمر دافعًا لك، وتوكل على الله، وسيسر لك أمرك.

 

2- لا تجعل الهاتف هوايتك:

 

استخدم هاتفك بشكل واعٍ. خصِّص وقتًا محددًا لاستخدامه في أوقات معينة، وابتعد عنه تمامًا في أوقات الفراغ التي تضعف فيها.

 

3- تفعيل أدوات الحماية:

 

قم بتفعيل أدوات الحماية من المواقع الإباحية على هاتفك أو جهاز الكمبيوتر الخاص بك، هذه الأدوات قادرة على حجب تلك المواقع. واطلب من صديق تثق به أو أحد إخوتك أن يكون هو من يملك كلمة المرور، حتى لا تتمكن من فتحها بسهولة في لحظات الضعف. هذه خطوة عملية قوية.

 

4- تذكَّر أنك مراقب:

 

استشعر دائمًا أن الله يراك. يقول تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]. وأن الملائكة تحصي أعمالك: ﴿وإنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الانفطار: 10- 12]. فالشعور بالمراقبة الإلهية هو أقوى حارس داخلي.

 

5- مواجهة الفراغ:

 

إذا شعرت بالفراغ، فاجعله فرصة لعمل الخير وتحصيل الثواب. انضم إلى الأنشطة الطلابية التي تهمك، أو شارك في أعمال تطوعية، أو مارس رياضة تحبها، أو حتى تعلم مهارة جديدة.

 

6- الصحبة الصالحة:

 

الصديق الصالح هو خير معين على الطاعة. ابحث عن صحبة تذكّرك بالله وتشد من أزرك. يقول الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقال ﷺ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَليلِه؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلْ» [رواه أبو داود].

 

7- تقوية الإيمان:

 

وذلك عن طريق الإكثار من العبادات، كالصلاة في جماعة، وقراءة القرآن، والأذكار، وقيام الليل. هذه العبادات هي غذاء الروح، وكلما قويت روحك، ضعفت شهواتك. وادعُ الله أن يثبتك ويقوي إيمانك.

 

وتذكَّر دائمًا أن المعصية لها عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. تفكَّر في غضب الله على العاصي، وعذاب القبر، وعذاب النار، وموقف الحساب يوم القيامة. فهذا التفكر يورِّث الخوف الذي يمنعك من الوقوع في المعصية.

 

وختامًا يا ولدي، إن رحلة التغيير ليست سهلة، فقد تسقط مرة أو مرتين؛ لكن المهم ألا تستسلم لليأس. فكلما وقعت قم وتُب، واستغفر، واعلم أن الله يحب التوابين.

 

تذكر أن الله لم يخلقك إلا لعبادته، بالمعنى الشامل للعبادة، وأن الحياة الحقيقية هي في القرب منه. فكل لذة محرمة هي مجرد سراب، يذهب أثرها سريعًا، ويترك وراءه مرارة وحسرة. أما القرب من الله، ففيه لذة لا تنتهي، وطمأنينة لا تضاهيها طمأنينة.

 

أسأل الله أن يرزقك الثبات، وأن يجعلك من عباده الصالحين، وأن يبارك في جهودك، وأن يملأ قلبك بنور الإيمان.

الرابط المختصر :