الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
200 - رقم الاستشارة : 2368
20/08/2025
زوجتي تنقل أسرار البيت، وأختي الكبيرة تصر على طلاقها.. أشعر أنني في دوامة شك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا رجل متزوج منذ عدة سنوات، ولدي من زوجتي بنت وولد. مشكلتي أنني أشعر أن زوجتي لا تحفظ أسرار بيتنا، وتنقل ما يحدث بيننا – حتى الأمور الصغيرة والتافهة – إلى بيت أهلها.
أختي لاحظت هذا الأمر من خلال صديقتها القريبة من بيت أهل زوجتي، وتقول إن هذه الجارة تخبرها بتفاصيل دقيقة لا يعرفها أحد غيري وغير زوجتي، مما يعني – في نظر أختي – أن زوجتي هي من تنقل أسرار البيت. أختي أحيانًا تُسمعني تسجيلات صوتية لامرأة تروي ما قالته زوجتي لأمها، وتؤكد أن هذه المرأة هي الجارة، لكنها لا تخبرني بكل التفاصيل حتى لا ينكشف أمرها.
حدث بيني وبين زوجتي شجار بسبب هذا الموضوع، ومنعتها من نقل أي خبر أو تفصيل يخص حياتنا لأمها. لكنها ردّت بأن ما تفعله مجرد "استشارة" لأمها حتى تساعدها في شؤون البيت وتربية الأولاد. وللتأكد من التزامها، صارت أختي تُهدي الجارة كثيرًا لتعرف ما إذا كانت زوجتي قد توقفت عن نقل الأخبار أم لا، ثم تعود لتؤكد لي أن الأمر ما زال مستمرًا، وتنصحني صراحة بالطلاق، وتقول: "لا مصلحة لك مع امرأة لا تحفظ أسرار بيتها".
أنا الآن في حيرة شديدة: أحيانًا أصدق أختي وصديقتها، وأحيانًا أشك وأقول ربما هناك مبالغة أو سوء فهم، أو أن أختي تحصل على بعض الأخبار مني أو من زوجتي ثم تعيد صياغتها على لسان الجارة. فقدت الثقة في زوجتي، وأصبحت أتعامل معها ببرود، فلا حديث بيننا إلا عن الطعام أو شؤون الأولاد، وأتجنب البوح لها بأي أمر شخصي.
صرت أكره عفويتها وكثرة كلامها، وأفكر أحيانًا في الزواج بامرأة أخرى أكثر تحفظًا وكتمانًا، حتى وصلت لقرار أن أعدد، وأترك الخيار لها إن شاءت الاستمرار أو طلب الطلاق. أشعر أنها ليست الزوجة أو السكن الذي أريده، وأراها غير مؤهلة لتكون زوجة وأمًّا، خاصة وهي تستشير أمها في أمور خاصة جدًا بيننا، وتفشي أسرارنا.
أرجو منكم النصح، فقد أصبحت حياتي الزوجية جافة، والهوّة بيني وبين زوجتي تتسع يومًا بعد يوم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي الفاضل، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات...
ما رأيك أن نبدأ من آخر سطور رسالتك.. تراها غير مؤهلة أن تكون زوجة أو أُمًّا فتفكر في التعدد، فهل معنى أن يكون لك زوجة ثانية أن هذه الزوجة لم تعد زوجتك أم أن الزواج الثاني هو ما سيصلحها ويجعلها زوجة؟! وهل عندما تتزوج مرة ثانية ستتحول زوجتك الأولى وتصلح كأُم؟
التعدد تشريع إلهي -يا أخي الكريم- له ضوابطه وله فلسفته وليس أداة قهر للزوجة الأولى حتى تضطرها لطلب الطلاق.. التعدد ليس أداة عقاب للزوجة الأولى فتعاقبها لأنها أفشت أسرار البيت بالزواج مرة أخرى، وحقًّا لست أدري ما العلاقة بين الأمرين. تريد أن تتزوج مرة أخرى كن صريحًا وواضحًا ولا تخلط الأمور ببعضها.. تريد الطلاق كن أيضًا واضحًا وصريحًا ولا تقل إنك ستترك الكرة في ملعبها وأنك ستترك لها الخيار ومثل هذا الكلام.
أخي الكريم، أنت مشوش للغاية ومنزعج جدًّا، وهذه مشاعر طبيعية مفهومة، وأنت تشعر أن خصوصية بيتك على المحك، ولا تدري من أين يحدث تسريب هذه المعلومات والأخبار بل هل يحدث تسريب أصلاً؟ أنت لست على يقين من شيء، فأنت تشك في أن أختك هي من تعرف بعض المعلومات ثم تعاد صياغتها، وعلى الرغم من ذلك أنت أصدرت حكمك بأن زوجتك غير أمينة على أسرار البيت، وبدأت عقابك بالفعل عن طريق التجاهل والصمت، ثم تريد أن تأخذ خطوات أخرى فتفكر في الزواج الثاني وفي الطلاق أيضًا. ولست أدري أين ابنك وابنتك في خارطة تفكيرك وأنت تفكر في كل هذه الأمور.
وأعود مرة أخرى للنقطة المركزية، أنت تعاقب زوجتك بالظن، والظن أكذب الحديث -أخي الكريم- والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾، أنت لم تسمعها بأذنك تحدث والدتها في الهاتف وتخبرها عن أسرارك أو أسرار البيت إنما جاءك الكلام عبر طرف ثالث، والله سبحانه يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾، فأين البينة وأختك تخفي عنك الكثير من التفاصيل حتى لا ينكشف أمر هذه الجارة كما تزعم!
ثم لماذا تتبع أختك زوجتك على هذا النحو حتى أنها تهادي هذه الجارة حتى تحصل منها على معلومات، ألم يصلها قول ﷺ: (لا تغتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه)؟
فلماذا تتبع عورات زوجتك على هذا النحو؟ ولماذا تتجسس عليها؟ ولماذا تهادي هذه الجارة التي بالتأكيد عرفت بحاجة أختك إلى الأخبار فذهبت تتحايل على حماتك حتى تعرف منها المزيد أو لعلها تعرف المعلومات من أختك بشكل غير مباشر ثم تعيد صياغتها.. فما هذه الأجواء التآمرية السامة؟
أخي الكريم، من حقك أن تغضب إذا هتكت أسرار بيتك وخاصة لو كانت ثمة أمور خاصة، ولكن في الوقت ذاته لا تكن متحسسًا، فما الذي يضيرك من نقل الأخبار الصغيرة والتافهة والتي تشبه دردشة الحياة اليومية والتي تأتي عرضًا أثناء حديث أُم وابنتها؟ ما الذي يؤذيك عندما تستشير زوجتك والدتها في أمر منزلي أو أمر يخص الأطفال؟ هل قدمت لها نصائح سيئة مؤذية من قبل؟
أخي الكريم، أنا لا أريد أن أبسط لك الأمر بشكل مخل وأيضًا لا أريدك أن تبالغ بطريقة يملؤها سوء الظن، ولا تنس أن هناك طفلاً وطفلة بينكما يستحقان منك محاولة جادة للإصلاح لا للتجسس وتتبع العورات. دعنا نتفق أيضًا أن الإنسان الخالي من العيوب لم يولد بعد (لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخر)، وأنت لم تذكر أي ميزات في زوجتك.. توقف قليلاً عن القراءة وحاول تذكر ميزة واحدة فقط حتما ستجد.. فتكون ميزة مقابل عيب حتى تتوازن الأمور.
أخي الفاضل، أنت بحاجة لجلسة حوار صريح مع زوجتك تحكي فيها كل مخاوفك وتطلب منها ألا تنقل أسرار البيت (على أن تكون أسرارًا بالفعل)، اضرب لها أمثلة ونماذج لما يصح الحديث فيه وما لا يصح، وقل لها إنك تحبها وتريد الحياة بسلام معها وأن تقوما بتربية الطفلين تربية سوية، واختم حديثك بقولك إن الله شاهد عليها.
ثم لا تتجسس عليها ولا تتبعها، فإن سمعتها بنفسك في يوم (بشكل غير مدبر) فهنا لا بد من وقفة مختلفة.. لكن لا تتجسس عليها أبدًا، ولا تسمح لأختك بالتمادي فيما تقوم به، وارفض الاستماع إليها لأنها تحرض على الطلاق، وهذا هو الدور الذي يقوم به الشيطان التفريق بين المرء وزوجه (إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمَهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا، ويجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه، فيُدْنِيه منه، ويقولُ: نعم أنتَ!).
أسعد الله قلبك، وأصلح ما بينك وبين زوجتك، وجنبكما شر شياطين الإنس والجن.