بين الكلام المر والشجار.. هل هناك أمل في إنقاذ زواجي؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : الحياة الزوجية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 144
  • رقم الاستشارة : 2425
23/08/2025

اللهم إني تعبت.. سنين طويلة وأنا أحاول، أصرف، أتحمل، وأحاول أصلح، لكن كل شيء ينهار. زوجتي وأنا صرنا مثل الغرباء، بل أحياناً كالأعداء. الكلام المر، والشجار أمام الأولاد، والضيق الذي صار سجناً لا مفر منه. حاولت مرات ومرات أن أغير، أن أهدي الأمور، لكني أجد نفسي أعود لنقطة الصفر.

أولادي الأربعة.. أحبهم وأصرف عليهم بكل ما أملك، لكنهم ينظرون لي بعيون مليئة بالخوف أو الكره. أشعر أني خسرتهم، وأنهم صاروا يفضلون البعد عني. وزوجتي.. كل كلمة بيننا كالنار، كل نظرة تحمل ذكريات الألم.

أحياناً أفكر: ربما الأفضل أن ننفصل بسلام. أتركهم لها، وأستمر في النفقة عليهم كما يجب، وأبحث عن حياة جديدة مع زوجة تكون سكناً لي، تعينني على باقي عمري بدل هذه الحرب التي لا تنتهي. لكن ثمّة صوت في داخلي يقول: ماذا عن أولادك؟ ماذا عن الذنب؟ هل الهروب هو الحل؟ أخاف أن أندم، وأخاف أن أظلمهم، لكني أيضاً أخاف أن أضيع ما بقي من عمري في شقاء لا ينتهي.

أعلم أن الزواج الثاني حلال، لكني لستُ متأكداً إن كان الصواب في ظروفي هذه. أريد حلاً يرضي الله، ويحفظ حقوق أولادي، ولا يقتل ما تبقى من قلبي. أرشدوني.. ماذا أفعل؟

الإجابة 23/08/2025

أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.. لم تشرح لنا شيئًا عن تفاصيل حياتك وزواجك وكيف بدأت هذه المشكلات؟ وكيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ لم تشرح شيئًا عن ذكريات الألم التي تحملها كل نظرة، كيف حاولت الصلح؟ وكيف عدت إلى نقطة الصفر في كل مرة؟ وكثير كثير من التفاصيل التي كانت لتساعدنا في تقييم المشكلة والمساعدة في الحل.

 

لكن دعنا نتحدث عن الأمر بشكل عام.. وقبل أن نتحدث عن التحديات التي تواجه الزواج والتي قد تجعله مصدرًا للبؤس والشقاء.. دعنا نتكلم قليلاً عن الأصل في الزواج ألا وهو الزواج الناجح.

 

الزواج الناجح

 

الزواج الناجح هو الزواج الذي بُذل فيه وقت وجهد واهتمام بالتفاصيل الصغيرة.. الذي يمنح فيها كل طرف للآخر مساحة كافية من الأمان النفسي فيطمئن قلبه والذي يجعل كل منهما أولوية لدى الآخر، وهذا يعني أن كل طرف يشعر بالقبول والتقدير.. شعورك أن هناك على هذه الأرض من تأوي وتسكن إليه هو برهان الزواج الناجح.

 

الحب الذي يشبه سهمًا يلقيه كيوبيد فيصيب القلب والذي تغنى به الشعراء كثيرًا، وسوقت له الدراما والسينما حديثًا على أنه الطريق الممهد للزواج الناجح، كثيرًا ما يتعثر في الطريق ما لم يسانده الاهتمام والأمان والتقدير.. تذبل المشاعر وتختنق ثم تحتضر وتموت لو سُقيت بالإهمال والتجاهل أو الأنانية والأخذ دون العطاء.

 

التكافؤ بين الزوجين إحدى الأدوات المهمة التي تصنع الزواج الناجح.. أن تجد من يشبهك أو يقترب من ذلك لا في الظروف الخارجية فقط (مع أهميتها الشديدة) لكن في دواخلك ومشاعرك وتوجهاتك الفكرية، وإن لم يشبهك فعلى الأقل يمتلك القدرة على تفهمك وإن اختلف عنك.

 

الزواج الناجح هو نتيجة ارتباط شخصين ناجحين.. فكل منهما قادر على إدارة حياته.. كل منهما قادر على تحمل وإدارة الضغوط.. كل منهما كان سعيدًا كفرد، ويأتي الزواج ليكمل هذا كله ويحقق ويشبع حاجات أخرى لا تتحقق إلا بالزواج. أما الأشخاص التعساء قبل الزواج غير القادرين على إدارة حياتهم من يكثرون من الشكوى فلن يلبثوا إلا قليلاً وسيشكون من الزوج والزواج والحياة كلها باختصار؛ لأن سقف توقعاتهم مرتفع جدًّا فهم ينتظرون من الزوج (الزوجة) أن يصلح حياتهم ويمنحهم الشغف ويدعمهم بلا حدود و.. و.. وفي المقابل ليس لديهم ما يمنحونه أو أن ما يمنحونه قليل للغاية مقابل ما ينتظرون.

 

الزواج الناجح لا نطالب فيه أبدًا بتقبل العيوب قبل المميزات فهذه سذاجة حقيقية، ولكن نسعى فيه لإصلاح العيوب ونطالب الزوج (الزوجة) بالدعم.. بالتغافل بمنحهم من الحسنات ما نكفر به السيئات.

 

الزواج الناجح هو ذلك الزواج الذي يحافظ على الشغف ويلامس القلب ويحنو عليه فيزرع أشجار الحب الظليلة، لكنه حب مستبصر وليس حبًّا أعمى يشتعل ثم يحترق.. إنه الزواج الذي تظلله المودة والرحمة وتسكن إليه الأرواح، وهو رزق كريم ونعمة من نعم الله عز وجل وآية من آياته.

 

أين الخلل؟

 

تحدثت إليك –أخي- في السطور السابقة عن عدد متنوع من شروط الزواج الناجح، ولست أدري حقًّا أيًّا من هذه الشروط غاب عن زواجك حتى تحول من نعمة لشقاء على هذا النحو الذي وصفته، لكن الشيء المؤكد أن لغة الحوار بينكم منعدمة أو شبه منعدمة وأن محاولات التواصل تبوء بالفشل؛ لأن هناك حالة من التوجس وسوء الظن وراء كل كلمة.. تقول إنك حاولت التواصل أكثر من مرة، وكثير من الناس يظن التواصل أن يشكو مما يعاني منه وينتظر من الطرف الآخر الإقرار بالذنب ومحاولة الإصلاح، لكنه يفاجأ بأن الطرف الثاني يدافع عن موقفه بل ويهاجمه هو شخصيًّا، ويتحول الحوار إلى شجار ويعاد فتح ملفات الماضي وهكذا دواليك، ومن ثم يعتبر الحوار قد فشل وأننا عدنا إلى المربع الأول.

 

ومع تكرار محاولات التواصل الفاشل نصل لقناعة أن هناك استحالة في إصلاح هذا الزواج، وأن منهجية الحوار فاشلة وغير مجدية، وبالتالي عليّ بالبحث عن حل آخر بعيدًا عن هذا الزواج، فأبحث عن زوجة أخرى وأترك الأبناء لأمهم تربيهم، وأنا لن أقصر في النفقة عليهم، والحقيقة أن ما حدث لم يكن حوار ولا يعبر بأي صورة عن التواصل، وأن الوالد ليس ماكينة صراف آلي يقتصر دوره على النفقة فقط!

 

أخي الفاضل، الهروب ليس حلًّا والزواج الثاني لن يحل مشكلاتك.. تريد أن تتزوج مرة ثانية هذا مباح ومشروع ولكن هذا لن يحل مشكلتك مع زوجتك وأولادك.. إذا كنت تقصد بالزواج الثاني أن تبقى أم أولادك كزوجة أولى فهذا أمر بحاجة للعدل، وكيف تعدل وأنت تشعر بكل هذه المشاعر من النفور، وإذا كنت تريد تركها معلقة فهذا أمر محرم، أما إن كنت تريد طلاقها قبل أن تتزوج مرة أخرى فهذا أمر بحاجة لتخطيط دقيق حتى لا يضيع أولادك في خضم مشاكل الطلاق.

 

أخي الكريم، قبل أن تعلن فشل زواجك عليك أن تحاول محاولة حقيقية جادة للإصلاح.. هذه المحاولة تبدأ من عندك بمراجعة مواقفك، وأرجو ألا تقول لي إن سلوكياتك هي مجرد رد فعل لأن هذا مبرر من لا يريد الإصلاح الجاد، فأنت تملك تغيير سلوكياتك بينما لا تملك تغيير الطرف الآخر.. بل إنه بتغيير سلوكياتك تجبر الطرف الثاني على التغيير ولو من باب رد الفعل التلقائي.. حاول أن تضع نفسك موضعها وتتمثل شعورها وتستشعر ما يضايقها وتتفهم ردات فعلها.. ثم تعامل معها على هذا الأساس.

 

ما رأيك أن تتعامل معها كأنه لم يكن هناك ثمة مشكلات.. كأنك تتعرف على امرأة جديدة وتريد أن تريها أفضل ما فيك من صفات كأنك تبحث عن زوجة جديدة وتريد أن تبدو أمامها دمثًا لبقًا مهذبًا لطيفًا عطوفًا.. ما رأيك في خوض هذه التجربة؟

 

في كل الأحوال أنت بحاجة لإجراء حوار لا يقوم على الشكوى وتبادل الاتهامات.. حوار تركز فيه على ما تشعر به وما تحلم وتتطلع إليه وتمنحها الفرصة هي الأخرى على التعبير عن دواخلها ومشاعرها.. حوار تستخدم فيه كلمات مثل أتفهمك.. أتفهم وجهة نظرك.. ما رأيك أن نمنح زواجنا فرصة جديدة.. ما زال لك في قلبي مكانة حلوة.. حوار تمرر فيه بعض الكلمات وتتغافل عنها وترفض أن يتفرع لنقاشات فرعية.. حوار بدايته باسم الله والصلاة والسلام على نبينا محمد حتى يفرج الله كربك.

 

أخي الكريم، أنت الرجل المسئول القوام الذي يملك زمام المبادرة.. أنت المسئول عن نظرات الخوف أو الكراهية في عيون أطفالك.. لا بد أن تفهم ولا بد أن تجد حلًّا.. حتى لو تزوجت ثلاث زيجات هذا لن يمنحك السعادة طالما بقيت هذه النظرات الغامضة التي لا تفهمها ولا تبحث عن مصدرها العميق ولا عن حلها.. التواصل ليس حكرًا على زوجتك فقط.. تواصل مع أطفالك.. تكلم معهم.. أنصت لمخاوفهم.. اقضِ بعض الوقت المرح معهم.. ابذل جهدًا حقيقيًّا وليس بعض المال، واستعن بالله عز وجل، وتابعنا بأخبارك، وليتك تكتب لنا بعض التفاصيل حتى نساعد في تقديم رؤية أكثر دقة.

الرابط المختصر :