زوجتي متدينة وطيبة لكنها تهمل بيتها.. ماذا أفعل؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الحياة الزوجية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 45
  • رقم الاستشارة : 2681
13/09/2025

متزوج من أكثر من عشرين سنة، وزوجتي متدينة وخلوقة، ولي منها أولاد. هي كما قلت طيبة ومحترمة، لكن مشكلتها أنها غير مهتمة بشؤون البيت، مهملة في نظافته وترتيبه، ومسرفة وتهدر في المصروفات والطعام ومرافق البيت من كهرباء ومياه... إلخ، ولا تعتني بحاجاتي من طعام وملبس، وتشغل نفسها بأنشطة خارج البيت، وتحب الخروج كثيرا، ولا تجد فرصة للخروج إلا وتخرج.

هذا سبَّب بيننا مشكلات كثيرة، وقد تكلمت معها في هذا الأمر كثيرا، وتدخل بيننا بعض الأقارب، فتلتزم فترة ثم تعود مرة أخرى وهكذا عبر السنوات، حتى يأست تماما وبدأت أمتنع عن الكلام معها وعن المطالبة بأي شيء، وهذا يزيد من تأزيم الأمور بيننا ويؤثر على نفسيتي جدا وبالتأكيد على نفسيتها هي أيضا والأولاد.

ماذا أفعل؟

الإجابة 13/09/2025

مرحبًا بك أيها الأخ الكريم، وأشكرك على ثقتك بنا، وأسأل الله –تعالى- أن يبارك فيك وفي أسرتك ويُعينك على الخير كله، وبعد...

 

فإن البيوت –يا أخي الحبيب- لا تُبنى بالجدران والأثاث فقط، بل بالقلوب والأرواح التي تسكنها، وبالوشائج التي تجمعهم. ولقد وصفتَ زوجتك بأنها «متدينة وخلوقة»، وهذه صفاتٌ لا تُقدَّر بثمن، فهي الأساس الذي تُبنى عليه الأسرة. الدين والخُلق هما صمام الأمان الذي يحمي العلاقة من الانهيار، ويجعل من السهل تجاوز العقبات. فهاتان الصفتان في زوجتك مكسب عظيم لا يُستهان به. فكم من رجال يشكون من عدم صلاح نسائهم أو من سوء خُلقهن، في حين أن الله رزقك بزوجة صالحة، وإن كان عندها بعض التقصير في جوانب الحياة اليومية.

 

والنبي ﷺ يقول: «لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر» [رواه مسلم]. أي: لا يبغض الرجل زوجته إذا وجد فيها عيبًا؛ بل يتذكر ما لديها من محاسن.

 

أما المشكلات التي ذكرتها، فهي في أغلبها سلوكيات قد تكون لها أسباب عارضة، وليست بالضرورة جزءًا من شخصيتها الأصيلة.

 

إن مسألة النظافة والترتيب والاعتناء بشؤون الزوج والبيت، هي –لا شك- من صميم الحياة الزوجية؛ لكن كثيرًا من النساء قد تُقصِّر فيها لا عن سوء نية، بل بسبب ضعف ترتيب الأولويات، أو التعلق بنشاطات خارجية، أو قلة الوعي بعظم هذه المسؤولية.

 

كن طبيبًا لا قاضيًا

 

بدلًا من أن تكون قاضيًا يُصدر الأحكام، حاول أن تكون طبيبًا يبحث عن أسباب المرض. إهمال البيت، والإسراف، وحب الخروج المفرط، قد تكون أعراضًا لأمرٍ آخر. هل هي تشعر بالملل؟ هل تشعر بعدم التقدير؟ هل تعتقد أن دورها في البيت لا يُرى؟ هل تجد في أنشطتها الخارجية متعةً أو تقديرًا تفتقده في الداخل؟

 

لنتأمل معًا قول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]. هذه الآية الكريمة تُشير إلى أن الزواج مبنيٌّ على السَّكَن، والمودة، والرحمة. فهل ما زالت هذه المشاعر قائمة بينكما؟ قد تكون الضغوط الحياتية قد أثرت عليها، وربما كان شعورها بعدم الاهتمام منك –حتى وإن لم تقصد ذلك– هو ما دفعها للبحث عن اهتمامٍ خارج المنزل.

 

إعادة التواصل والحوار

 

ذكرتَ أنك يئست وبدأت تمتنع عن الكلام معها، وهذا هو بيت الداء. فالصمت في العلاقة الزوجية كالصدأ الذي يأكل الحديد. عندما ينقطع الحوار، تبدأ الفجوة في الاتساع.

 

فحاول يا أخي أن تكسر حاجز الصمت بطريقة مختلفة. بدلًا من الحوار الذي يشبه المحاكمة، حاول أن تجعل حوارك عاطفيًّا. لا تبدأ بـ: «لماذا لم تفعلي كذا؟»؛ بل ابدأ -مثلًا- بـ: «أنا أحب أن أراكِ سعيدة، وأراك متعبة، فهل هناك ما يُشغلك؟». ولتتذكر حديث النبي ﷺ: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» [رواه الترمذي].

 

خطة عملية مشتركة

 

بعد أن تُعيد بناء جسر التواصل، اقترح عليها بأسلوب لطيف أن تضعا معًا خطة مشتركة لتحسين وضع البيت؛ على سبيل المثال:

 

- المشاركة في المسؤولية: لا تجعل مهام البيت مسؤوليتها وحدها؛ بل شاركها فيها، وأشرك معكما الأبناء بالضرورة. يمكن أن تخصصوا وقتًا للعمل معًا في ترتيب البيت، ففي هذه اللحظات تتقاربون وتتبادلون الأحاديث، ويحدث التآلف بين أفراد الأسرة.

 

- تحديد الأولويات: اجلس معها وتحدث عن الأمور التي تزعجك بوضوح وهدوء، مثل: الإسراف في المصروفات. اقترح عليها أن تضعا ميزانية محددة للمنزل. شاركها في إدارة شؤون البيت المالية لتشعر بأنها جزء من القرار وليست مجرد منفذ.

 

- احتواء الأنشطة الخارجية: حب المرأة للخروج ليس بالضرورة عيبًا، إذا كان مضبوطًا بالضوابط الشرعية والعُرفية، لكن المبالغة فيه على حساب البيت تُفسد الاستقرار. ومن الحكمة أن توازن بين حاجتها للخروج وتغيير الجو، وبين حاجتك أنت والأولاد للبيت المنظم. فيمكنك أن تتفق معها على مواعيد محددة للخروج، مقابل التزامها بواجباتها داخل البيت. أي: لا تمنعها من أنشطتها الخارجية إن كانت مفيدة لها، وليس فيها ما يسيء لها أو لك؛ بل حاول أن تكون جزءًا منها. اسألها عن طبيعة هذه الأنشطة، وهل يمكن أن تشاركا فيها معًا؟ أو اقترح عليها أن تخصصا وقتًا مشتركًا للخروج معًا، لتُشبع رغبتها في الترويح عن النفس، وفي الوقت نفسه تقضيان وقتًا ممتعًا معًا.

 

- التذكير بالمسؤولية الشرعية: لا شك أن الدين يضع مسؤوليات على عاتق الزوج والزوجة. ومن مسؤوليات الزوجة العناية ببيتها وزوجها، وهو ما ذُكر في الحديث النبوي الشريف: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» [رواه البخاري]. ولكن يجب أن يكون هذا التذكير بلطف ورحمة، لا بقسوة أو لوم.

 

- التهادي والامتنان: كذلك، يمكنك أن تُقدم لها من حين لآخر هدايا رمزية تعبر عن تقديرك لجهودها، حتى لو كانت كلمات امتنان قليلة. إن كلمة «شكرًا» أو «جزاك الله خيرًا» تُحدث فارقًا عظيمًا في نفس الزوجة. واجعل دعاءك لها أن يوفقها الله للخير، وأن يُعينها على مسؤولياتها.

 

- لا تنسَ الدعاء: أما الحل الأول والأخير فهو الدعاء. فادعُ الله بقلب صادق أن يُلهمكما الصواب، وأن يُؤلف بين قلبيكما. فكم من بيوتٍ استعصى حل مشكلاتها بالجهد البشري، ثم انفرجت بالدعاء الخالص. وتذكر أن من دعاء المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ [الفرقان: 74].

 

وختامًا أخي الكريم، إن هذا الزواج الذي دام لأكثر من عشرين عامًا ليس مجرد سنوات مضت، بل هو حصاد عُمر من العشرة والمودة، فلا تسمح لهذا الحصاد أن يذبل بسبب مشكلات قابلة للحل. تذكر دائمًا أنك في النهاية بشر، وهي بشر، وكلنا نخطئ ونصيب.

 

أسأل الله أن يبارك في بيتك، وأن يُعينك على مسؤولياتك، وأن يعيد لبيتك سكينته ومودته ورحمته، وأن يشرح صدرك، ويؤلف بينك وبين أهلك، وأن يرزقك من لطفه ما يطيب به خاطرك وتقر به عينك.

الرابط المختصر :