الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : التخطيط الدعوي
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
74 - رقم الاستشارة : 2873
05/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا من العاملات في مجال الدعوة منذ سنوات، وأشارك في تنظيم الدروس والمحاضرات والأنشطة التربوية والاجتماعية بين الأخوات في جامعتي ومجتمعي. لكن أحيانًا أشعر بثقل المسؤولية، إذ أن الالتزامات الأسرية والشخصية والعمل المهني تزداد، ولا أستطيع دائمًا تخصيص الوقت الكافي للأنشطة الدعوية.
أشعر أحيانًا بالذنب لعدم تمكني من أداء كل الواجبات كما يجب، وأخشى أن يفقد قلبي الحماس، أو أن أضعف أثر الدعوة في نفوس من حولي. فكيف يمكن للمؤمنة أن توازن بين واجباتها الشخصية والدعوية، وتظل محافظة على النشاط والحماس، وتكون قدوة حسنة في كل جوانب حياتها؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بك أختنا الفاضلة، وبارك الله فيك على حرصك وإخلاصك واهتمامك الكبير بنشر الخير، فهذا وعي قلّ من يجده في قلوب الداعيات، وحرصك على التوازن بين حياتك الشخصية والدعوية هو أساس الصلاح والاستمرارية.
التوازن سنة شرعية
القرآن الكريم قدّر لكل إنسان حدودًا ومسؤوليات متعددة، وحث على عدم تحميل النفس فوق طاقتها. قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]. فالواجب أن يوازن الداعية بين واجباتها تجاه الله، وعملها الدعوي، وحقوق أسرتها ونفسها، وهذا جزء من الحكمة والقدرة على الاستمرارية.
وقد ضرب النبي ﷺ مثالًا عمليًّا لذلك، حين كان يجمع بين العبادة، والعمل الدعوي، وأداء حقوق أهله؛ فالواجبات متشابكة، لكن التوازن يضمن استمرار النشاط الدعوي وعدم الانقطاع، فقد يكون التقليل من بعض الأنشطة الدعوية في أوقات معينة خيرًا لك، إذا أحسن توزيع الوقت بما يحفظ قلبك ويوازن مسؤولياتك.
هدي النبي ﷺ في إدارة المسؤوليات
النبي ﷺ علّمنا أن التدرج في الأعمال والاعتدال فيه سر الثبات، فقال: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ) فالاستمرارية أهم من الكم الكبير غير المنظم، فلو كانت لديك أنشطة يومية قصيرة أو متوسطة الحجم، لكنها منتظمة، فإن أثرها طويل وثابت على النفس والمجتمع.
كما أن النبي ﷺ كان يُوزع جهده بين الدعوة والعبادة وحقوق أهله، وكان يربي أصحابه على مراعاة أنفسهم، وتقدير طاقاتهم، وعدم الانغماس في نشاط واحد حتى ينهك الجسم أو الروح.
استعادة الحماس
أختنا الفاضلة، شعورك بالذنب طبيعي عندما تقارنين نفسك بما كنت ترغبين في تحقيقه، لكن هذا الشعور إذا استُخدم بشكل إيجابي يصبح دافعًا للتنظيم وتقدير النفس.
لا تثقلي قلبك بالتقصير، بل نظمي وقتك بحكمة، وضعي خطة أسبوعية مرنة تجمع بين الأعمال الدعوية، والمهام الأسرية، والراحة النفسية، والعبادة.
وذكري نفسك دائمًا بأن الأثر الحقيقي لا يقاس بعدد المحاضرات أو الدروس، بل بصدق النية وإخلاص العمل، فكل لحظة تقضينها في الخير، ولو محدودة، مكتوبة لك أجرها عند الله، ويُثاب قلبك على الصبر والتوازن.
نصائح عملية
1) تحديد الأولويات بحكمة: ابدئي بالأنشطة الأكثر تأثيرًا، والأكثر حاجة للوجود الدعوي في مجتمعك.
2) تقسيم الوقت بين الأسرة والدعوة: اجعلي وقت الأسرة مقدسًا، فهو أساس الثبات النفسي، وفيه تدريب عملي على المسؤولية والتقدير.
3) الاستفادة من الوسائل الحديثة: يمكن أن تُكمل النشاط الدعوي أثناء الانشغال ببعض الوسائل الرقمية، مثل تسجيل درس قصير أو مشاركة مقطع هادف على وسائل التواصل.
4) المراجعة الذاتية الدورية: اجلسي مع نفسك أسبوعيًّا لتقيمي أثر أعمالك، وما يحتاج إلى تعديل، مع الدعاء أن يثبتك الله ويبارك جهودك.
5) الصبر والاعتماد على الله: فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بالمجهود الملاحظ، بل بالاستمرارية والثبات، فمن يرد الله به خيرًا يوفقه للعلم والعمل.
أختنا الكريمة، إنَّ التوازن بين الحياة الشخصية والدعوة ليس بالأمر السهل، لكنه ممكن بالنية الصافية، والتنظيم، والاعتماد على الله، والصبر، والمراجعة المستمرة. اجعلي قلبك معلقًا بالله، واعملي بصدق، ولا تثقلي نفسك باللوم، فإن كل جهد في سبيل الله له أثر، ولو لم يظهر الآن. وكوني قدوة في التوازن بين العمل الدعوي، وحقوق الأسرة، والعبادة، فهذا أعظم أثر يُحفظ في النفوس ويؤتي ثماره على المدى الطويل.
وأسأل الله أن يوفقك في كل مسؤولياتك، وأن يثبت قلبك على الخير، وأن يبارك في وقتك وجهدك، وأن يجعل أعمالك سبب هداية لنفسك ولغيرك، وأن يمنحك راحة النفس ورضا الله، إنه سميع مجيب الدعاء.
روابط ذات صلة:
الداعية بين منبر الدعوة وحضن الأسرة
كيف أحقق التوازن بين الدعوة والعلم؟
بين ضغوط الحياة وواجبات الدين.. 5 خطوات لتحقيق التوازن المطلوب
كيف يوازن الداعية بين طلب العلم والتفاعل مع واقع الناس؟