الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : التخطيط الدعوي
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
173 - رقم الاستشارة : 2228
29/07/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب في الثانية والعشرين من عمري، كنت محافظًا على حضور صلاة الجمعة، ولكن مؤخرًا بدأت أشعر بالفتور والابتعاد عنها، بسبب شعوري أن خطب الجمعة تكررت حول مواضيع لا تلامس واقعنا الاجتماعي والإنساني، خاصة في ظل ما يحدث في غزة من حصار وجوع وتشـريد وتدمير.
كيف أُوازن بين حرصي على الدين وتعليمه وفرائضه وواجباته وبين شعوري بالخذلان من الخطاب الديني الذي لا يعكس معاناة أمتي؟ هل من الطبيعي أن ينتاب الشباب هذا الإحساس بالبعد والشكوى من بعض العلماء أو الخطباء؟ وكيف يمكن للدين أن يكون حافزًا حقيقيًّا للتغيير الاجتماعي والإنساني، وليس مجرد طقوس وكلام مبتعد عن الواقع؟
أرجو من فضيلتكم التوجيه الحكيم، فالمسألة تُؤرقني وأريـد أن أجد السبيل الذي يجمع بين الإيمان الصادق والفكر الواعي والعمل الاجتماعي المؤثر. جزاكم الله خيرًا، وبارك في جهودكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيها الأخ الكريم.. مرحبًا بك معنا، مرحبًا بك وبهمّتك وغيرتك، وتقبل الله منا ومنك صالح الأعمال..
اسمح لي أن أُعبـر لك -ابتداءً- عن عميق تقديري لمشاعرك الصادقة واهتمامك النبيل، فإن ما ذكرته ينبض بضمير حيّ، وفكر نقيّ، وإيمان يريد أن يصافح الواقع لا أن يهرب منه.
واعلم بأنّ ما تشعر به ليس غريبًا، بل هو جزء من وعي المسلم المُعاصر، الذي يرى أمته تُذبح، ويكاد قلبه يتمزق وهو يسمع المنبر يمرّ مرور الكرام وكأن الجرح في أمة أخرى. ولكن، ومع إدراكي لألمك، أود أن أضع بين يديك جوابًا متزنًا يجمع بين الشوق إلى الإيمان، وحرارة الشعور الإنساني.
أولًا: من الطبيعي أن تتألم
أيها الحبيب، إنّ النبي ﷺ حين رأى مشهد الشهيدة سمية يُمزّقها أبو جهل، لم يقف مكتوف اليدين، بل بكى، ودعا، وقال: «صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة».
إن مشاعر الحزن والألم والغضب مما يحدث للمسلمين ليست ضعفًا في الإيمان، بل هي دليل على حياة القلب، وقد قال ﷺ: (مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم) إذن، مشاعرك سليمة، ولكن تحتاج إلى ترشيد لا إهمال، وضبط لا انفلات..
ثانيًا: كن مع الله، ولو قَصَّر غيرك
إن فتورك عن الجمعة قد يكون وسيلة شيطان ليحرِمك من الخير بسبب خطيب لم يُحسن توصيل الرسالة. والحقّ أن صلاة الجمعة فريضة عظيمة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، فلا تجعل أداءَك للفرض مرهونًا بكفاءة الخطيب، كما لا تمتنع عن شرب الماء إن جاءك في إناء غير نظيف؛ بل اغسل الإناء وخذ الماء.
ثالثًا: لماذا لا تُصبح أنت ذلك الخطيب الواعي؟
إن كنت ترى قصورًا في المنبر، فربّما كانت دعوتك أن تُكمل هذا النقص. تَعلَّم، تَأهَّل، وأثِّر في الناس.
واعلم أن الصحابة لم يكونوا يشتكون فقط، بل كانوا يصنعون البدائل، ويوجهون الخطاب. وقد قيل: "إن لم تجد الإمام الذي تحلم به، فكن أنت"..
رابعًا: الدين ليس طقوسًا بل حياة شاملة
أخي الغيور المبارك: إنّ الإسلام لم يكن يومًا مجرد طقوس، بل دعا إلى نصـرة المظلوم: (انصـر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) وربّى على الإحساس بالضعفاء: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وكان الصحابة يحملون الطعام على أكتافهم، ويتفقدون الجياع في المدينة، كما فعل أبو بكر وعمر، وعلى هذا فإن الإيمان الحقّ، كما قيل: (ما وقر في القلب، وصدقه العمل)، فلير الله منك خيرًا.
خامسًا: نصائح عملية للتوازن بين إيمانك وواقعك
أوصيك بالآتي:
1) لا تترك الجمعة أبدًا، بل صلّها قُربةً لله لا للخطيب، واحتسب أجر الصبر على القصور.
2) استثمر خطبة الجمعة، واسأل نفسك: كيف أستخرج من هذه الخطبة ولو فائدة واحدة تُحركني.
3) أنشئ دائرة حوار شبابية؛ تناقش القضايا العامة في ضوء الإسلام، وتربط بين الواقع والنصوص.
4) شارك في المبادرات الإنسانية والاجتماعية -متى توفرت-، وكن جسدًا فاعلًا في الإغاثة والدعوة والعمل المجتمعي.
5) تعلّم العلم الشـرعي، وتفقه في الدين، وحاول أن تتقن فنّ الخطابة، مستندًا إلى وعيك الشرعي والفكري لتكون مؤثرًا في دوائرك.
6) ادعُ الخطباء بلطف إلى التجديد، أو قدّم لهم اقتراحات، أو حتى كتب تتناول قضايا الأمة بإبداع.
وفي الختام: أسأل الله أن يجمع لك بين صدق الإيمان، ووعي الفكر، وحرارة القلب لأمتك، وأن يجعلك من حملة النور الذين يوقظون المنابر، ويحيون الغافلين، ويُبكون القلوب الميتة، ويجمعون بين السجود والدمع والعمل.