هَمّ الداعية بين كثرة الأعمال وقلة الثمرات

Consultation Image

الإستشارة 29/09/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعمل كداعية في بلدتي وأسعى في نشر الخير بين الناس عبر وسائل متعددة؛ من دروس ومحاضرات ومقاطع عبر الإنترنت، وزيارات شخصية، وأحيانًا أشارك في أنشطة جماعية. لكني أشعر بالحزن حين أقارن بين الجهد الكبير المبذول والثمار القليلة الظاهرة. فأحيانًا أقول في نفسي: هل دعوتي ذات أثر حقيقي؟ وهل تعب الدعاة يضيع إذا لم تظهر نتائجه للعيان؟ إن هذا الشعور يرهقني نفسيًا، ويكاد يثنيني عن المواصلة. فما هو الموقف الصحيح الذي يجب أن أتبناه في مثل هذه الحال؟

الإجابة 29/09/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلًا وسهلًا بك أخي المبارك، وأكرمك الله على صدقك وهمّك. لقد طرحت سؤالًا يعاني منه كثير من الدعاة، وهو الفجوة بين الجهد المبذول والثمرات الظاهرة. وهذا الموضوع يحتاج إلى فقه دقيق، وفهم صحيح لطبيعة الدعوة وغاياتها، ولعل هذه الاستشارة تكررت قبل ذلك بصيغ أخرى مختلفة قليلاً، لكن لا مانع أن نعيد مرة بعد مرة؛ فهي قضية خطيرة ومهمة للغاية، ولذا اسمح لي أن أقدم لك ولغيرك هذا البيان:

 

الدعوة أسباب وأعمال لا نتائج

 

أصل الدعوة أنها واجب شرعي وتكليف رباني، وليست مشروطة بالنتائج. قال الله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ [البقرة: 272]. فوظيفتك البلاغ، وأما الهداية والثمرات فهي بيد الله وحده، يعطيها حيث يشاء ومتى يشاء.

 

الأنبياء قد لا يرون الثمار كاملة

 

تأمل حال نوح عليه السلام: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت: 14]، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل. فهل كان نوح فاشلًا في دعوته؟ حاشا لله! بل هو من أولي العزم، وهو قدوة للصبر والبذل. وكذلك نبينا ﷺ، لما قصّ عليه جبريل أن في القيامة يُعرض الأنبياء ومعهم الرجل والرجلان، أو لا أحد معهم، كان ذلك تثبيتًا له ولأمته أن قلة المستجيبين لا تعني فشل الدعوة.

 

أثر الدعوة قد يكون خفيًّا

 

كثير من الثمرات لا تراها عينك. قد تكون كلمة قلتها سببًا في توبة أحدهم، وهو يكتمها ولا يخبرك. قد يكون مقطع قصير نشرته بلغ شخصًا بعيدًا لا تعرفه، فاهتدى به قلبه. وقد يثمر عملك بعد وفاتك بأعوام. قال ﷺ: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له]. فالدعوة علم نافع يبقى أثره ولو لم تره الآن.

 

المعيار عند الله هو الإخلاص لا الكثرة

 

 

الله لا يسألك يوم القيامة: كم آمن بك من الناس؟ بل يسألك: هل أخلصت؟ هل بلغت؟ هل صبرت؟ قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].

فأعظم ما يزين عمل الداعية هو إخلاصه، ولو دعا شخصًا واحدًا.

 

الثمرة الكبرى هي ثباتك أنت

 

من بركات الدعوة أن الداعية يثبت هو نفسه، ويرتقي بإيمانه، ويحيا بقلبه مع القرآن والذكر. حتى لو لم يؤمن أحد بدعوتك، فقد كفاك أنها حفظت عليك دينك وقلبك. فالمشاركة في الدعوة حفظ للذات قبل أن تكون أثرًا على الآخرين.

 

نصائح عملية لتجاوز الشعور بضعف الثمار

 

1) جدّد نيتك دائمًا: اجعل هدفك رضا الله لا النتائج الظاهرة.

 

2) قسّم أعمالك: اجعل لك مشاريع صغيرة تقيس أثرها القريب، ومشاريع بعيدة الأثر تزرعها وتنتظر ثمرتها.

 

3) ابحث عن الأثر الكامن: سل من حولك عما استفادوه، وستفاجأ أحيانًا أن كلماتك تركت أثرًا لم تكن تدريه.

 

4) تذكّر الأجر الأخروي: كل كلمة دعوة هي في ميزان حسناتك، ولو لم تُقبل الآن.

 

5) تعاون مع الآخرين: فالدعوة الجماعية تُظهر الثمرات أكثر من الجهود الفردية.

 

واعلم ختامًا أخي الكريم، أنّ ثمار الدعوة ليست دائمًا أرقامًا تُحصى ولا أعدادًا تُذكر. بل هي نور ينتشر في الأرض والسماء، وأجر يتضاعف في ميزانك ولو لم تره. فاصبر واثبت، وازرع كما زرع الأنبياء، ولا تلتفت إلى قلة المستجيبين، فإن الله يكفيك شرف البلاغ، ويجزيك على الصدق والإخلاص.

 

وأسأل الله أن يبارك جهدك، وأن يشرح صدرك، وأن يريك بعض ثمار دعوتك في حياتك، ويجعل لك أضعافها بعد وفاتك، وأن يرزقك الإخلاص والثبات، ويكتب لك أجر النبيين والصالحين.

 

روابط ذات صلة:

الداعية بين ضعف التفاعل وقوة الأثر الخفي

الثبات في طريق الدعوة رغم قلة المستجيبين

لا أحد يستجيب لدعوتي.. هل أنا فاشل؟

أتكلَّم فلا يُصغون.. هل أخطأتُ الطريق؟؟

لا أرى ثمرة لجهودي الدعوية وأفكر في الانعزال!

الرابط المختصر :