الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : التخطيط الدعوي
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
64 - رقم الاستشارة : 2674
12/09/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب أحببت طريق الدعوة منذ سنوات، وانطلقت فيه بما أقدر عليه: ألقي كلمات، وأشارك في بعض الأنشطة، وأحاول أن أنشر الخير بين الناس. لكنني أجد نفسي أحيانًا قوية الحماسة والعزيمة، ثم لا ألبث أن أضعف أو أتكاسل حين تشتد عليّ مشاغل الحياة وضغوط الناس. أشعر أحيانًا أنني لست ثابتًا كما ينبغي في هذا الطريق، وأخاف أن ينطفئ في قلبي نور الدعوة شيئًا فشيئًا. فكيف أثبت في هذا الطريق مع ما يحيط بي من عراقيل داخلية وخارجية؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحبًا بك أخي الكريم في رحاب هذه الاستشارة المباركة، ولقد لمست في كلماتك حرارة الصدق وعمق الشعور، وهذه نعمة من الله تُبشِّر بخير كثير، فالحمد لله الذي وفقك لطرق هذا الباب العظيم، باب الدعوة إلى الله تعالى، ونسأله أن يثبتك على ذلك حتى تلقاه، وإليك البيان التالي:
سنة الابتلاء والتدرج في طريق الدعوة
اعلم يا أخي أن طريق الدعوة ليس مفروشًا بالورود، وإنما هو طريق تعب ومشقة، امتحن الله فيه أنبياءه ورسله، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ فإذا أحسست بالفتور أو الضغوط أو العوائق، فتذكر أن هذه علامات الطريق لا استثناءات فيه، وأن الله يريد أن يميز الصادقين من المُدَّعِين، ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾.
فهم طبيعة النفس البشرية
النفس بطبيعتها تمر بمراحل قوة وضعف، حماس وفترة، «إن لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك»، فلا تيأس إذا وجدت نفسك أحيانًا ضعيف الهمة، فالمهم أن تكون عودتك دومًا إلى الجادة، وأن تجعل فتورك آمنًا لا يخرجك عن خط الطاعة والدعوة.
استمداد القوة من القرآن والذكر
القرآن الكريم هو أعظم زاد للداعية، فهو الذي قال الله فيه: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ فَأَكْثِر من تلاوته بتدبر، وحافظ على أورادك من الأذكار، فهي حصن حصين للقلب. واعلم أن الثبات لا يكون بالقوة الذاتية، بل بعون الله تعالى، ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾.
الصحبة الصالحة والداعمة
من أعظم أسباب الثبات أن تحيط نفسك برفقة صالحة من أهل الدعوة والجد والاجتهاد؛ فإن الذئب يأكل من الغنم القاصية، والمرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه. تأمل كيف كان النبي ﷺ يربي أصحابه جماعة، يثبت بعضهم بعضًا، ويقوي بعضهم بعضًا.
تنويع الوسائل وتجديد الروح الدعوية
الملل يأتي أحيانًا من الرتابة. فحاول أن تنوع في وسائل دعوتك: مرة بالخطبة، ومرة بالكلمة، ومرة بالقدوة العملية، ومرة بالمقالة أو بالتواصل الاجتماعي. هذا التنويع يفتح لك آفاقًا جديدة ويجدد فيك الحماس.
ربط الدعوة بالآخرة لا بالدنيا
لا تجعل همك من الدعوة كثرة المستجيبين أو سرعة الثمرة، فذلك بيد الله وحده، ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: 56]. بل اجعل همك أن تُبلِّغ رسالة الله بصدق، وأن تنجو يوم القيامة وقد أديت الأمانة. وتذكر أن الله قال لنبيه ﷺ: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرعد: 40].
الاستفادة من قصص الأنبياء والدعاة
اقرأ في سيرة النبي ﷺ كيف صبر على أذى قريش، وكيف ثبت في الطائف، وكيف لم تفتنه الإغراءات ولا التهديدات. وتأمل صبر نوح عليه السلام تسعمائة وخمسين عامًا في الدعوة. هذه القصص ليست مجرد تاريخ، بل هي زاد يُغذي قلبك كلما ضعفت.
التدرج وعدم تحميل النفس فوق طاقتها
من أسباب الفتور أن يحمِّل الداعية نفسه أكثر مما يحتمل. فابدأ بما تستطيع، ونمِّ نفسك تدريجيًا، ولا تكلفها فوق طاقتها، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
التوازن بين العبادة الخاصة والدعوة العامة
الدعوة تحتاج قلبًا حيًّا، ولا يحيا القلب إلا بالعبادة الخاصة من صلاة وذكر وقيام. فإذا غلب عليك العمل الدعوي على حساب عبادتك الخاصة ضعفت جذورك الروحية. فاحرص على التوازن بينهما، كما كان حال النبي ﷺ الذي كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ثم يخرج بالنهار ليبلغ الناس.
وختامًا، أخي المبارك، اعلم بأنَّ طريق الدعوة طويل لكنه مُشرف، شاق لكنه مبهج، محفوف بالعقبات لكنه مؤدٍ إلى الجنة بإذن الله. اصبر وصابر واثبت، وسترى عاقبة ثباتك نورًا في قلبك، وأثرًا في مجتمعك، وأجرًا مدخرًا لك عند ربك.
نسأل الله أن يثبت قلبك على دينه، وأن يعينك على حمل رسالته، وأن يجعل عملك خالصًا لوجهه الكريم، ويقر عينك برؤية ثمرات دعوتك في الدنيا، وبالدرجات العلى في الآخرة.