الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : التخطيط الدعوي
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
69 - رقم الاستشارة : 2690
14/09/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عالمنا الجليل: أسأل الله أن يرزقك الطمأنينة وأن يثبت قلبك على الحق، ويجعلنا وإياك من الذين يسعون للخير في الأرض. أنا كمسلم مهتم بشؤون أمته، وأتابع الأحداث الأليمة التي تقع في فلسطين من استهداف الأطفال والنساء والصحفيين، ورؤية الصور والفيديوهات التي تظهر ظلمًا فادحًا واستئسادًا واضحًا، وكل ذلك يملؤني بالقلق والاضطراب، وأحيانًا يصل الأمر إلى الاكتئاب واليأس والملل، بل وأحيانًا التشاؤم من إمكانية التغيير.
سؤالي هو: كيف يمكن للمسلم أن يتعامل مع هذه الأحداث اليوم، وكيف يوازن بين مشاعره الإنسانية والدعوة العملية إلى الخير، مع المحافظة على صحته النفسية والإيمانية؟ وكيف يمكن التعاون والدعوة بالطرق الشرعية لمساعدة الأمة في هذه الظروف الصعبة؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فتقبل تحياتي أخي الكريم، ونشكر لك حرصك على الأمة وقلقك على حالها، وهذا شعور نبيل يحمل معاني الرحمة والدعوة للخير، ويجب أن يكون هذا القلق دافعًا للفعل الإيجابي، لا سببًا للشلل أو اليأس، وإليك الآتي:
التوازن النفسي والإيماني أمام المآسي
إن رؤية الظلم والقتل والاستئساد، خصوصًا ضد الأبرياء من الأطفال والنساء، مؤلم ومؤثر جدًّا، وقد يصاب الإنسان بالقلق والحزن العميق، وهذا طبيعي. قال الله تعالى: ﴿ولَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، وهذا يبين أن المؤمن قد يشعر بالحزن، لكنه مطالب بعدم اليأس والاستسلام لليأس، فالمؤمن متوازن بين الشعور بالرحمة والعمل الصالح.
الطرق الشرعية للتعاون والدعوة
1) الدعاء المستمر: الدعاء هو أقوى وسيلة للمؤمن لتغيير الأمور، فقد ثبت بأنّ الدعاء هو سلاح المؤمن، ومعلوم أن الدعاء سهام لا تُخطئ، والأمثلة على ذلك وفيرة وكثيرة، فالدعاء لأهل فلسطين بالثبات، والفرج، والنصر، ورفع الظلم، من أعظم الأعمال.
2) النصرة بالدعم المباح المُتاح: فالدعم المالي للمحتاجين واللاجئين عبر المؤسسات الإسلامية الموثوقة، ونشر الوعي بالحقائق والوقوف مع المظلومين بالقول والعمل المشروع، فضلا عن تعليم الآخرين أهمية الدعاء والعمل الخيري للأمة.
3) الحفاظ على النفس من اليأس والإحباط، ولذا أنصحك وأنصح غيرك بعدم الاستغراق في المشاهد الصادمة بشكل مفرط، مع تخصيص أوقات للمشاهدة والتفاعل، وأوقات للعبادة والذكر والتفكر، وممارسة الرياضة والنشاطات الإيجابية للتخلص من الضغط النفسي.
4) التوجيه الدعوي والإرشادي: كتعليم الصبر والرضا بالقضاء والقدر، كما أمر الله: «وَاصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» مع تعزيز أمل المسلمين في النصر، وتذكيرهم بأن الظلم مؤقت، وأن النصر غالب بإذن الله.
نماذج عملية تاريخية
* الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعيشون أحداثًا صعبة، كالغزوات والفتن، ومع ذلك كانوا صابرين ويدعون ويعملون ولا ييأسون، فقال النبي ﷺ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» (رواه البخاري ومسلم).
* عبر التاريخ: رأينا المسلمين الذين شهدوا أهوالاً وفتنًا كانوا يعملون على رفع الظلم بالطرق المشروعة، مع الثبات على العبادة والدعاء، فكانت النتيجة قوة إيمان وصبر.
نصائح عملية للمسلم اليوم
1) خصص أوقاتًا محددة لمتابعة الأخبار، لتجنب الغرق النفسي والإحباط.
2) استثمر الطاقة في الدعاء والعمل الخيري والمساهمة في المشاريع الإنسانية.
3) مارس العبادة اليومية بانتظام، فالذكر والصلاة تجدد النفس وتقوي القلب.
4) انضم إلى جمعيات خيرية موثوقة تساعد المتضررين وتزيد من أثر العمل الصالح.
5) تحدث مع الأصدقاء وأهلك عن الأحداث بطريقة بناءة، لتبادل الأفكار والحفاظ على التوازن النفسي.
6) تذكر دومًا أن الله سبحانه قادر على التغيير وأن اليأس محرم، كما قال تعالى: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا».
وختامًا، نسأل الله تعالى أن يرفع الظلم عن إخواننا في فلسطين، وأن يمنحهم الصبر والثبات، وأن يرزقنا القوة لمد يد العون لهم بالطرق المشروعة، وأن يحمينا من اليأس والإحباط، ويجعل قلوبنا متعلقة به سبحانه، عامرة باليقين والأمل والعمل الصالح.
وللمزيد طالع ما يأتي:
كيف نُحوِّل التعاطف العالمي مع الإسلام إلى حركة دعوية منظمة؟
في ظل المشهد الفلسطيني.. كيف نستثمر إقبال الغرب على الإسلام دعويًّا؟