Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : التخطيط الدعوي
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 36
  • رقم الاستشارة : 2069
25/05/2025

حياكم الله..

أعمل في مجال يتطلب مني التعامل مع فئات متنوعة من الناس. لطالما حرصتُ على أن يكون سلوكي وأخلاقي انعكاسًا لما تعلمته من ديننا الحنيف ودعوة إلى الله. أحرص على الدعوة بالقدوة والعطاء، من قول الكلمة الطيبة، ومساعدة المحتاج قدر استطاعتي، والتزام الصدق والأمانة في كل تعاملاتي، سواء في بيتي مع زوجتي وأهلي، أو في عملي ومع جيراني.

ولكنني أحيانًا كثيرة أشعر بالإحباط، بل واليأس في بعض الأحيان، عندما لا أرى نتائج واضحة لهذه الجهود الدعوية. أشعر وكأن ما أقدمه من خير يذهب هباءً، أو أنه لا يلقى آذانًا صاغية، أو أن التغيير بطيء جدًا إن وجد. وهذا الشعور يضعف من عزيمتي ويجعلني أفكر في الانعزال، والاهتمام بإصلاح نفسي وتحويل هذا الجهد إلى تنمية ذاتي ورعاية أسرتي. فبماذا تشيرون عليَّ؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابة 25/05/2025

أخي الكريم، مرحبًا بك، وشكرًا جزيلًا على ثقتك بنا ومراسلتنا، وأسأل الله العلي القدير أن يثبتك على الحق، وأن يبارك في جهودك، وأن يتقبل منك صالح أعمالك، وأن يجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك يوم القيامة، وبعد...

 

فاعلم يا أخي أن الدعوة إلى الله ليست طريقًا مفروشًا بالورود، بل هي جهاد وصبر ومثابرة، تتخللها لحظات ضعف وشعور بالوحدة، وقد قال تعالى على لسان لقمان بعدما نصح ابنه بالقيام بواجبه الدعوي من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنكَرِ واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [لقمان: 17]، ولكن ثق تمامًا أن الله لا يضيع أجر المحسنين.

 

الرضا بقضاء الله وتقديره:

 

أخي الحبيب، إن أول ما يجب أن نستحضره في رحلتنا الدعوية هو أن الهداية بيد الله وحده، فنحن نبذر البذور ونسقيها، ولكن الثمر لا يأتي إلا بأمر الله. كم من أنبياء ورسل دعوا أقوامهم سنين طويلة، ولم يستجب لهم إلا القليل! وهذا ليس نقصًا في دعوتهم، بل هو قضاء الله وقدره. تذكر قول الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: 56]. إن مهمتنا هي البلاغ المبين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والبذل والعطاء، أما النتائج فمرجعها إلى الله.

 

ثواب عظيم يَستحق المجاهدة:

 

اعلم يا أخي أن ما تقوم به من دعوة بالقدوة، وقول الكلمة الطيبة، ومساعدة المحتاج، والالتزام بالصدق والأمانة، هو من أجلِّ القربات إلى الله تعالى. إنها دعوة صامتة ولكنها بليغة، تتسلل إلى القلوب وتلامس الأرواح. حتى لو لم ترَ النتائج فورًا، فإن الله يعلم ما في الصدور، ولا يضيع أجر عملك الصالح. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].

 

تخيل يا أخي أن كلمة طيبة منك، أو موقفًا أمينًا، قد يغير مسار حياة إنسان لم تعرفه قط، وقد يكون ذلك بعد حين. ربما تكون أنت السبب في هداية شخص ما بعد سنين طويلة، وكم من الناس أسلموا أو اهتدوا بسبب كلمة سمعوها أو موقف رأوه، وظلوا يذكرون هذا الموقف أو تلك الكلمة طوال حياتهم. لا تستهن بما تقدمه من خير، فإن الخير قليل في أعيننا كثير في ميزان الله.

 

ويقول النبي ﷺ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» [رواه مسلم]. إن هذا الحديث يبعث الطمأنينة في القلوب، فكل عمل خير تقوم به هو بمثابة استثمار لا يضيع، وأجره مضاعف، حتى لو لم ترَ له أثرًا في الدنيا.

 

الابتلاء والتمحيص سنة الله في الدعاة:

 

أخي الفاضل، إن الشعور بالإحباط واليأس هو ابتلاء من الله ليمحص القلوب ويميز الصادق من غيره. إن الله يختبر صبرنا وثباتنا على الحق. تذكر أن طريق الأنبياء والصالحين كان مليئًا بالابتلاءات والمحن، ولكنهم صبروا واحتسبوا، فكانت العاقبة لهم. قال تعالى: ﴿ولَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ولا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ولَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَأِ المُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام: 34]. هذا الابتلاء ليس ليثبطك، بل ليقويك ويزيد من إيمانك، ويجعل علاقتك بالله أقوى وأمتن.

 

الاهتمام بالنفس والأسرة لا يتعارض مع الدعوة:

 

شعورك بالرغبة في الاهتمام بإصلاح نفسك وتنمية ذاتك ورعاية أسرتك هو شعور نبيل ومهم جدًّا، ولا يتعارض أبدًا مع الدعوة إلى الله؛ بل على العكس تمامًا، إن إصلاح الذات والأسرة هو أساس الدعوة الناجحة. كيف يمكن أن يدعو الإنسان إلى الخير وهو مقصر في حق نفسه وأهله؟

 

نعم، ابدأ بنفسك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6]. إذا كنت قويًّا في إيمانك، مستقيمًا في سلوكك، ناجحًا في حياتك الأسرية، فإن هذا بحد ذاته دعوة عملية بالقدوة. إن بيتك هو أول ساحات دعوتك، وزوجتك وأبناؤك هم أول المدعوين. عندما يرون منك الصدق والأمانة وحسن الخلق، فإنهم يتأثرون بك أكثر من أي كلام.

 

نصائح لتقوية العزيمة والتحلي بالصبر:

 

1- تجديد النية باستمرار: كلما شعرت باليأس، جدد نيتك، واجعلها خالصة لله تعالى، وتذكر أنك لا تنتظر الشكر من أحد، بل من رب العالمين.

 

2- التزود بالعلم الشرعي: كلما ازددت علمًا بدينك، ازددت يقينًا وثباتًا، وفهمت طبيعة هذه الحياة ودور الإنسان فيها.

 

3- التضرع إلى الله بالدعاء: الدعاء هو سلاح المؤمن، فادعُ الله أن يثبتك على الحق، وأن يتقبل منك أعمالك، وأن يفتح لك قلوب الناس.

 

4- الصحبة الصالحة: احرص على مخالطة الصالحين ومشاركتهم هموم الدعوة، فهم خير عون لك على الثبات والاجتهاد.

 

5- استحضر قصص الأنبياء والصالحين: اقرأ عن صبرهم وثباتهم في وجه المحن، وكيف أنهم لم ييأسوا رغم كل التحديات.

 

6- تذكر الأجر العظيم: كلما شعرت بالفتور، تذكر أن الأجر عند الله عظيم، وأن الله لا يضيع أجر عامل.

 

وختامًا أخي الكريم، إن شعورك هذا هو بداية طريق النضج الدعوي، فلا تيأس ولا تتوقف عن فعل الخير، فما تزرعه اليوم ستحصده غدًا بإذن الله. تذكر أن نصر الله قريب، وأن الفرج يأتي بعد الشدة.

 

وما أجمل أن تكون من أولئك الذين يحملون همَّ الدعوة، وهمَّ إصلاح المجتمع، فاستمر في بذل الخير، في عملك، في بيتك، مع جيرانك، ولا تلتفت إلى النتائج؛ فالله هو الذي بيده مقاليد الأمور.

 

أسأل الله أن يبارك في عمرك وعملك، وأن يثبتك على الصراط المستقيم، وأن يجعلك منارة خير يهتدي بها الناس، وجزاك الله خيرًا على كل ما تقدمه، ورفع قدرك في الدنيا والآخرة. دمت في حفظ الله ورعايته.

الرابط المختصر :

icon الاستشارات ذات الصلة