الإحساس بالضيق من رعاية الأم المسنة.. هل يُعدُّ عقوقًا؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الأخلاق والمعاملات
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 59
  • رقم الاستشارة : 2795
27/09/2025

السلام عليكم..

أمي كبرت في السن وعدّت السبعين، وهي عايشة معايا في بيتي أنا ومراتي وولادي.

أمي ربنا يبارك في عمرها محتاجة رعاية خاصة طول الوقت عشان سنها وكام تعب صحي عندها.

أنا وزوجتي بنقوم على خدمتها بكل حب، وبنحاول على قد ما نقدر نلبي كل طلباتها. لكن بلاقي نفسي ساعات للأسف بتضايق وبتخنق من كتر طلباتها اللي بتتكرر، أو من إنها دايمًا محتاجة مساعدة في أمورها اليومية. ولاحظت إن زوجتي وولادي كمان بيحسوا نفس الإحساس ده أحياناً، بالرغم من إننا كلنا بنحبها.

الإحساس ده بيخوفني وبيوجعني قوي، لإني ساعات مبقدرش أبتسم في وشها وأبينلها إني راضي ومبسوط على طول، وبخاف يكون التصرف ده عقوق، أو إني بقع فيه من غير ما أحس.

فهل الإحساس اللي بيجيلي ده أحياناً يعتبر عقوق؟ وإزاي أقاوم الإحساس السلبي ده؟ وهل أنا كده بار بيها واللا لا؟

الإجابة 27/09/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياك الله أخي الكريم، ومرحبًا بك، وأشكرك جزيل الشكر على ثقتك التي وضعتها فينا، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبارك فيك وفي والدتك، وأن يرزقك برها، وأن يجعل خدمتك لها في ميزان حسناتك، وأن يلبسها ثوب الصحة والعافية، وأن يجزي زوجتك وأبناءك خير الجزاء على ما يقدمونه لها من حب ورعاية، وبعد...

 

فأنت يا أخي الفاضل في منزلة يغبطك عليها كثيرون، وهي منزلة بر الوالدين في أحوج أوقاتهما، وهو ليس بالأمر الهين، بل هو من أعظم الابتلاءات التي يكتب الله فيها الأجر العظيم. فاطمئن ولا تخف، فما تشعر به هو شعور إنساني طبيعي.

 

هل الإحساس بالضيق يعدُّ عقوقًا؟

 

دعني أجيبك بوضوح: لا، هذه الأحاسيس ليست عقوقًا؛ بل هي جزء من طبيعتنا البشرية التي خلقنا الله عليها. العقوق هو الفعل، هو القول الجارح، هو الامتناع عن المساعدة، هو التبرم والشكوى بصوت عالٍ، هو إظهار الضيق والتأفف. أما الإحساس الداخلي الذي يمر بالقلب دون أن يُترجَم إلى فعل أو قول يؤذي الوالدة، فليس عقوقًا؛ بل هو صراع بين النفس البشرية التي قد تضعف وتمل، وبين الإيمان الراسخ الذي يحث على الصبر والاحتساب.

 

تأمل معي قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]. فلقد نهى الله -سبحانه وتعالى- عن قول «أُفٍّ»، وهو أدنى درجات التضجر. إنه -جل وعلا- لم ينهَ عن الشعور نفسه؛ بل عن إظهاره قولًا أو فعلًا. وهذا دليل على أن الاختبار الحقيقي هو في التحكم في النفس، وكبح جماحها، وتحويل هذا الشعور السلبي إلى صمت وصبر، وابتسامة صادقة.

 

إن هذا الصراع الداخلي الذي تعيشه هو في حقيقته جهاد عظيم، وجهاد النفس هو من أصعب أنواع الجهاد. إن الشيطان الذي يوسوس لك بالتقصير والعقوق هو نفسه الذي يجعل شعورك بالضيق يبدو وكأنه خطيئة كبرى، حتى تيأس وتتوقف عن هذا العمل الصالح. ولكن المؤمن الحق هو من يعرف أن الأجر على قدر المشقة.

 

كيف تقاوم هذا الإحساس؟

 

1. استعن بالله وتوكل عليه: اجعل الدعاء سلاحك الدائم. فكلما شعرت بالضيق، ارفع يديك إلى الله وقل: «اللهم أكرمني بالصبر، وأعنِّي على بر أمي، واجعل خدمتي لها خالصة لوجهك الكريم». تذكر أنك لا تخدم أمك فقط؛ بل تؤدي عبادة وطاعة لله؛ حيث أمرك بهذا البر.

 

2. استحضر النية في كل لحظة: جدد نيتك كلما استطعت. قل لنفسك: «أنا أفعل هذا طاعة لله وإرضاء له»، «أنا أخدمها لأني أحبها وأحتسب الأجر»، «هذا هو بابي إلى الجنة». النية تحول العمل العادي إلى عبادة عظيمة.

 

3. تذكَّر فضل والدتك: تذكَّر وهي ترعاك في صغرك. تذكَّر الليالي التي سَهِرَتْها، والصحة التي أفنتها لأجلك. روي أن رجلًا كان يطوف بأمه حول الكعبة وهو يحملها على ظهره، فلما انتهى قال لابن عمر رضي الله عنهما: «أتراني جزيتها؟» فقال ابن عمر: «ولا بطلقة من طلقات ولادتها لك!».

 

4. شارك أسرتك: زوجتك وأبناؤك شركاء معك في هذا الأجر العظيم. فتحدث معهم بصراحة، وضَعوا جدولًا لتوزيع المهام، وخصصوا وقتًا للراحة والاسترخاء لأنفسكم. فالاعتناء بالذات ضرورة لمواصلة العطاء.

 

وختامًا أخي الفاضل، إن بر الوالدين ليس مجرد قول، بل هو فعل وحال. وبرُّك ليس في مشاعرك الداخلية التي لا ترى؛ بل في أفعالك الظاهرة التي نراها.

 

لقد فعلت ما لا يفعله كثيرون، فقد آويتَ والدتك في بيتك، ووفَّرت لها الرعاية والحب، وأنت وزوجتك تتكفلان باحتياجاتها. وهذا هو البر والإحسان اللذان أمر بهما الله في كتابه الكريم. فلا تخف من المشاعر السلبية التي قد تهاجمك، بل واجهها بالدعاء والاحتساب، وذكِّر نفسك دائمًا بأن هذا الوقت مع والدتك هو كنز ثمين قد لا يطول. كن حكيمًا، وكن رحيمًا بنفسك كما أنت رحيم بها.

 

أدعو الله أن يبارك لك في عملك هذا، وأن يجعله سببًا لرضاه عنك، وأن يجعل الجنة مثواك ومثواها. واعلم أنك في عين الله، وأن الله لا يضيع أجر المحسنين.

 

روابط ذات صلة:

أمي ظالمة وتدعو عليَّ.. كيف أبرُّها؟

والدي يرفض تعاملي.. فهل أنا عاق؟

أبي العاق.. كيف أصله في رمضان؟!!

والدي يَعُقُني.. فهل أبره؟

الرابط المختصر :