22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د رمضان فوزي
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 19
  • رقم الاستشارة : 1084
20/02/2025

هل يستحق الأب المهمل أولاده البر؟ الأب الذي لا يسأل عن بناته، ولا يهتم بأمورهن، المتزوج من أخرى، ويهتم فقط بأولاده من الزوجة الأخرى.. فهل يعاقبني الله إذا كرهت هذا الأب ؟

الإجابة 20/02/2025

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بك أختي هبة، وأهلا بإخواننا العراقيين المرابطين والمجاهدين لتحرير مهد الحضارة الإسلامية من دنس المغتصبين الحاقدين.

 

أود أن ألفت نظرك أيتها الأخت الكريمة في البداية إلى شيء هام وضروري في العلاقات الأسرية - خاصة علاقة الأب بأبنائه أو الأبناء بأبيهم - وهو أن هذه العلاقة ليست قائمة على الاستحقاق فقط؛ فأنت تسألين: "هل يستحق الأب المهمل أولاده البر؟"، ولكن يجب أن يحكم هذه العلاقة محددات وضوابط أسمى وأرقى من مجرد الاستحقاق، هذه الضوابط تحتاج إلى نوع من مجاهدة النفس والتغلب عليها لحملها على هذا الأمر السماوي..

 

أول هذه المحددات والضوابط قول الله عز وجل {وَلاَ تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، فإذا عرفنا أن هذا التوجيه القرآني ضابط في علاقة الأزواج والزوجات بعضهم ببعض فإنه يكون أولى وأوجب في علاقة الآباء بالأبناء؛ ذلك أن الزوجين تنتهي العلاقة بينهما بمجرد الطلاق، ويذهب كل واحد منهما إلى حال سبيله ليواصل حياته مع شخص آخر، ولكن هل يستطيع الأبناء التنصل من آبائهم والبحث عن آباء غيرهم، يعوضونهم عن آبائهم الحقيقيين؟!

 

الإجابة البدهية والواقعية هي لا يمكن ذلك؛ فالفرع إذا قُطع من جذعه الحقيقي الذي نما وترعرع فيه يستحيل وصله بآخر. فألا تذكرون لأبيكم من الفضل عليكم والتعب من أجلكم والعمل على راحتكم ما تغفرون به تقصيره تجاهكم الآن؟!!

 

الضابط الثاني في هذه العلاقة هي قوله تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} فالتوجيه القرآني هنا واضح بأن الأبوين المشركين المجاهدَين لأبنائهما ليشركوا بالله، لهما على أبنائهما حق المصاحبة بالمعروف.. فهل ما فعله أبوك يزيد عن الشرك بالله حتى لا يستحق منكم البر؟!!

 

الضابط الثالث قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الأصل في هذه العلاقة الإحسان وخفض جناح الذل من الرحمة والدعاء لهما بما ربياك صغيرا؛ فمجرد التربية في الصغر توجب للآباء هذه الأمور. بل إن أقل ألفاظ التضجر وهي كلمة "أف" منهي عنها في هذه العلاقة.. فهل بعد هذا الهدي الرباني لا يستحق أبوك البر؟

 

أختاه، لقد بنيت كلامي السابق معك على أسوأ الاحتمالات والافتراضات؛ وهي أن أباكن مقصر بالفعل معكن ومهمل. لكن هناك احتمالات وافتراضات أخرى أفضل من هذا الافتراض؛ وهي أنه ربما يكون هناك سوء تقدير منكن لموقف أبيكن، أو أن هناك من الأعذار ما لا تعلمنه ولا يستطيع هو إطلاعكن عليها.

 

وبشيء من الصراحة نقول: إن زواج أبيك بأخرى غير أمك -في حد ذاته- ليس جريمة يلام عليها، ما دام يراعي حقوق الله بينهما. وأما اهتمامه بأولاده من الزوجة الأخرى فعله راجع إلى صغر سنهم واحتياجهم إلى رعاية أكثر منكن؛ فأنت -كما يتضح من بياناتك- قد تعديت العشرين من عمرك، ووفقك الله للحصول على البكالوريوس، وأولاده الآخرون لم يأخذوا حقهم بعد من الرعاية والاهتمام، وهذا يقتضي منه إيلاءهم مزيدا من الاهتمام أكثر منكن.

 

إذن فمن خلال المعطيات القليلة التي تفضلت بها علينا نستطيع أن نقول: إن وصف أبيك بأنه "المهمل لأولاده" يحتاج إلى وقفة منك أنت وأخواتك تتساءلن فيها عن ظروف أبيكن الحالية، وحاولن أن تلتمسن له من الأعذار ما يحفظ له استحقاقه البر منكن.

 

وهناك شيء آخر هام جدا يجب أن تفكرن فيه؛ وهو ما دوركن أنتن في إذابة جبل الجليد الذي تراكم بينكن وبين أبيكن؟ هل قمتن بدوركن في إعطائه حقه أولا من البر والاحترام وواظبتن على ذلك؟ أم تتعاملن معه بندية تجعلكن تتعالين عن البدء بالتواصل؟ وما هو دوركن تجاه إخوتكن الصغار؟ أليس هؤلاء إخوة وسندا وعونا لكن، خاصة بعد وفاة أبيكن؟.

 

إن الحياة الأسرية يجب أن تترفع وتسمو عن هذه الصراعات والتحزبات والتعصبات التي نريد إزاحتها من مجتمعنا الكبير، ولن نستطيع ذلك إلا إذا زالت واختفت من نواة المجتمع المتمثلة في الأسرة والعائلة.

 

أما بالنسبة لسؤالك عن "هل يعاقبني الله إذا كرهت هذا الأب؟" فأقول: جميل أن يكون منطلقك هو الفرار من عقاب الله، ولكن الأفضل أن يكون منطلقك هو الفرار إلى ثواب الله وعظيم أجره. هذا الثواب المتمثل فيما أعده الله وأخبر به في كتابه لمن جاهد نفسه وتغلب عليها، وكان هواه تبعا لما جاء به القرآن وأمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- من بر للآباء وصبر عليهم كما أوضحنا فيما سبق.

 

وفي النهاية -أختاه- أدعوك لأن تمدي حبال البر والمودة لأبيك، واعلمي أنه على قدر ما تجدينه من مشقة وعنت سيكون الأجر عظيما عند الله، وثقي أنك كما تدينين تدانين؛ فبقدر البر الذي تبذلينه لأبيك سيكون بر أبنائك بك إن شاء الله. واعلمي أن هناك أبناء فقدوا أباهم ويتمنون لو أنه موجود في الدنيا حتى ولو بدون علاقة بينهم؛ فمجرد وجود أب لهم في حد ذاته نعمة تستوجب الشكر.

 

أسأل الله أن يصلح ذات بيننا، وأن ينزع الحقد والغل من قلوبنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وتابعينا بأخبارك وأخبار أبيك....