الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
353 - رقم الاستشارة : 950
11/02/2025
عندي ربع من زملائي وزميلاتي بالدوام على فيسبوك، وصار بيني وبينهم شوية خلافات عادية بالشغل، لكن بعدين قاموا يكتبون بوستات فيها تجريح وكلام يضايقني، بطريقة غير مباشرة، يعني تلميح وتلقيح بدون ما يذكرون اسمي، بس أنا أدري إنهم يقصدوني. هالشي قاعد يأثر علي نفسيًا وايد، وأنا أخلاقي وديني ما يسمحون لي أنزل لمستواهم وأرد عليهم بنفس الأسلوب. ولو أواجههم راح ينكرون أكيد ويقولون إني سيئة ظن، وإن كلامهم عام، رغم إني متأكدة إنهم يقصدوني. شنو أسوي؟ أنا ما قدرت أسوي شي غير إني دعوت عليهم. أرشدوني، بس لا تقولون لي واجهيهم، لأني مو حابة أسوي هالشي. ترى صدق حزينة.
أختي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك، وبعد...
فإني أشعر بصدق ألمك وحزنك، وأقدّر مشاعرك التي تأبى النزول إلى هذا المستوى المتدني الذي انحدر إليه زملاؤك وزميلاتك، وهذا يدل على صفاء قلبك وحرصك على أخلاقك ودينك.
ولا شك أن التعرض للظلم أو التجريح، حتى لو كان بالتلميح، أمر يؤلم النفس، خصوصًا عندما يكون من أناس جمعتكِ بهم زمالة أو علاقة ما. لكن اعلمي أن الله لا يضيع أجر من يحسن، وأنه سبحانه يعلم خفايا النفوس، ويرى ما في الصدور، وهو أعدل العادلين.
اسمحي لي أن أقسّم لكِ إجابتي إلى محاور تساعدكِ على استيعاب الموقف والتعامل معه بطريقة ترضي الله تعالى، وتمنحكِ السكينة.
أولًا- مواجهة الحزن والتعامل معه:
أختي الفاضلة، حزنكِ طبيعي، ولكن لا تسمحي له بأن يسيطر عليكِ أو يضعفكِ. اعلمي أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وأن الله يمحص قلوب عباده بالمواقف ليُظهر معادنهم، فقد قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2].
فلا تجعلي كلماتهم المسمومة تسكن قلبكِ، بل رددي دائمًا: اللهم اجعلني أكبر من أذاهم، وأقوى من شرهم، وأصفى قلبًا مما يريدون لي.
واستعيني بالصبر والصلاة، كما أمر الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].
ثانيًا- كيف تتعاملين مع الإساءة غير المباشرة؟
1- التجاهل وعدم المبالاة:
فلا تمنحيهم ما يريدون من استفزازكِ أو إدخالكِ في دائرة الردود والانفعالات. إن التجاهل في مثل هذه المواقف سلاح قوي، وقد روي عن الإمام الشافعي قوله:
إذا نطق السفيه فلا تجبه ** فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرَّجت عنه ** وإن خليته كمدًا يموت
وربما يكون الصبر والتجاهل والتجاوز سببًا في أن يُغيّر الله قلوبهم أو يكف شرهم عنكِ بطريقة لا تتوقعينها.
2- الرد العملي لا اللفظي:
اجعلي ردكِ الحقيقي في نجاحكِ وتألقكِ في عملكِ، وكوني مثالًا حسنًا للأخلاق الراقية، فهذا سيجعلهم يشعرون بالخيبة أكثر من أي رد مباشر.
3- تحصين النفس بالدعاء والذكر:
كوني على يقين بأن الله سيحفظكِ من شرهم، وأكثري من قول: «حسبي الله ونعم الوكيل»، فهو سلاح الأنبياء والصالحين في مواجهة الظلم.
4- طلب العوض من الله:
اجعلي هذا الموقف فرصة لتقربيكِ من الله، وارفعي يديكِ بالدعاء قائلة: «اللهم إن كان في قلوبهم غلّ أو حسد أو سوء تجاهي، فطهّر قلوبهم أو اكفني شرّهم كيفما شئت، اللهم عوّضني بخير منهم وأبدلني بصحبة طيبة تغنيني عنهم».
ثالثًا- هل الدعاء عليهم هو الحل الأمثل؟
إن دعاءك عليهم أمر مشروع، فالمظلوم له دعوة مستجابة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ» (رواه البخاري).
لكن –أختي العزيزة- تأملي قوله تعالى: (ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34]. فإن استطعتِ، فادعي الله أن يهديهم أو يشغلهم بأنفسهم عنكِ، فهذا من كرم الأخلاق، وإن لم تستطيعي، فاكتفي بأن تفوّضي أمركِ لله دون أن تحملي في قلبكِ ضغينة تثقلكِ.
رابعًا- كيف تحمين نفسكِ من أذى الناس؟
1- اجعلي علاقتكِ بالله أقوى من تأثير الناس عليكِ:
فإذا كان قلبكِ عامرًا بالله وبالإيمان به، فلن تؤذيكِ كلمات البشر؛ لأنكِ تعلمين أن مقامكِ الحقيقي عند الله لا عندهم.
2- لا تبحثي عما يقولونه عنكِ:
أي لا تتابعي منشوراتهم وتحرصي على معرفة ما يقولون، ولا تشغلي بالكِ بهذا؛ بل عيشي حياتكِ بصورة طبيعية، وكأنهم غير موجودين.
3- حافظي على ذكر الله والاستغفار:
فمن لازم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا.
4- استشعري الأجر العظيم في الصبر على الأذى:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلِمُ إذا كانَ مخالطًا النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم خيرٌ منَ المسلمِ الَّذي لا يخالطُ النَّاسَ ولا يصبرُ على أذاهم» [رواه الترمذي].
وختامًا -أختي الفاضلة- تذكري أن هذه المواقف عابرة، وأن الله يعوضكِ خيرًا عن كل أذى يصيبكِ، فأحسني الظن بالله، وألحي في الدعاء، وكوني واثقة بأن الأيام ستكشف لكِ حكمته فيما أصابكِ.
ولا تنسي أن مع العسر يسرًا، وما بعد الظلم إلا عدل الله، وما بعد الألم إلا لطفه. أسأل الله أن يعوضكِ خيرًا، ويجعل صدركِ رحبًا، وقلبكِ مطمئنًا، ويكفيكِ شر كل من أراد بك سوءًا.
وآخر ما أهمس إليك به: كوني أنتِ... ولا تجعلي أفعالهم تغيّركِ، فالنقاء يتسامى فوق أقذار الآخرين. وتابعينا بأخبارك.