الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
147 - رقم الاستشارة : 854
01/02/2025
السلام عليكم، أشعر بإحباط شديد، بسبب أنني طالما سعيت واجتهدت في حياتي، وبذلت كل ما بوسعي لتحقيق أهدافي، ومع ذلك، أجد أنني أواجه تعثرًا مستمرًا في كل خطوة، وكأن الأبواب توصد في وجهي رغم إصراري وتوكلي على الله. أصلي وأذكر الله وأحافظ على العبادات، وأجتهد في طاعته قدر استطاعتي، ولكن لا أرى ثمرة هذا الجهد، بينما أرى آخرين قد يكونون بعيدين عن الله تتيسر أمورهم دون عناء. أحيانا يتسلل إلى قلبي الحزن والتساؤل: هل قدَّر الله لبعض عباده أن يعيشوا في معاناة دائمة رغم اجتهادهم؟ أم أن هناك أمورًا خفيّة عليَّ يجب أن أدركها لأفهم حكمة الله فيما أمر به؟ أرجو توجيهكم ونصحكم، لعل الله يجعل في كلماتكم نورًا يبدد ما في نفسي من حيرة.
أخي الكريم، أسأل الله أن يرزقك طمأنينة القلب، ونور البصيرة، وأن يشرح صدرك بالإيمان والتسليم لحكمه، وبعد...
فوالله ما طرق بابَ الله عبدٌ إلا وفُتح له، ولكن صورة وكيفية هذا الفتح لا تكون إلا بحكمة دقيقة لله سبحانه وتعالى.
أخي الكريم، إن من سنن الله في الحياة أن يختبر عباده، ويبتليهم بما يشاء لحِكمٍ يعلمها، وليس شرطًا أن يكون تأخير التيسير دلالة على الحرمان أو سوء الحال، بل قد يكون دليلًا على محبة الله لك ورفعةٍ في منزلتك. يقول الله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (العنكبوت: 2، 3).
فالابتلاء سنةٌ إلهية، وهو ليس دليلًا على غضب الله، بل قد يكون رفعةً وتمحيصًا للذنوب، كما جاء في الحديث الشريف: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» (رواه الترمذي).
كذلك يجب أن تؤمن يقينًا بأن الرزق بيد الله وحده، ولا تحكم عليه بالمقاييس الظاهرة، فقد ترى أن غيرك ممن تظنهم بعيدين عن طاعة الله تتيسر أمورهم، لكن هذا لا يعد دلالة على حب الله لهم ولا بغضه أيضًا؛ فالله يرزق المؤمن والكافر، ويمنح الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولكن الآخرة هي الميزان الحقيقي، التي لا يمنح الله فيها جنته إلا للمؤمن الذي يحب. يقول الله تعالى: ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ (الإسراء: 20).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ قسمَ بينَكُمْ أخلاقَكمْ كما قسمَ بينَكمْ أرزاقَكمْ، وإنَّ اللهَ يُعطي الدُّنيا مَنْ يحبُّ ومَنْ لا يحبُّ، ولا يُعطي الإيمانَ إلا مَنْ يحبُّ» (رواه الحاكم).
وقد يكون الرزق الذي يُعطى لغيرك استدراجًا لهم، كما قال الله: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَآ أُوتُوآ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾ (الأنعام: 44). أما المؤمن فقد يؤخر الله عنه بعض النعم لحكمة عظيمة، أو يدّخرها له في الآخرة.
وقد وعد الله عباده بالفرج بعد الضيق، فلا حزن يدوم، ولا محنة تستمر، فقد أقسم الله في كتابه قائلاً: ﴿فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (الشرح: 5، 6). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (رواه أحمد).
فإن كنتَ في ضيق، فاعلم أن اليسر قريب، ولا تظن أن البلاء علامة على أن حياتك ستظل في معاناة، بل هو جزء من دورة الحياة التي أرادها الله لعباده.
أخي الكريم، إن الله يرى ما لا نرى، ويعلم ما لا نعلم، وقد يؤخر عنك ما تطلبه؛ لأنه يعلم أن الخير لك في غيره. وإن الرضا بأقدار الله لا يعني الاستسلام السلبي، بل يعني اليقين بأن الله يختار لنا الخير. فلا تيأس ولا تتوقف عن السعي، فالأرزاق مكتوبة ولكننا مأمورون بالسعي إليها.
أخي الحبيب، مهما اشتد عليك البلاء، فثق أن الله معك، يسمع نجواك، ويرى دمعتك، ويعلم حاجتك، وهو أرحم بك من نفسك. فأحسن الظن بالله الذي يقول: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 216).
وأكثر من الدعاء الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، وأعوذُ بِكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، وأعوذُ بِكَ من شرِّ ما عاذَ بِهِ عبدُكَ ونبيُّكَ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ، وأعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قَضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا» (رواه ابن ماجة).
وختامًا، أدعو الله -عز وجل- أن يفرِّج همك، وييسِّر أمرك، ويبدلك بعد الضيق فرجًا، وبعد الحزن فرحًا، وأن يجعل لك في كل خطوة نورًا وهداية. اللهم آمين. وفي انتظار أن تطمئننا عليك وعلى أحوالك.