23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 364
  • رقم الاستشارة : 681
13/01/2025

السلام عليكم. أنا طالبة بالجامعة من فلسطين، وأنا بنت متدينة. وفي أوقات الامتحانات أبذل أقصى جهدي في الدراسة، وبعد ذلك أتوجه الى الله بالدعاء لينجحني في الامتحان، ولكني لا أحصد أية نتيجة بعد طول الدراسة والدعاء!!. فهل يعني هذا أني غير مقبولة عند الله، لذلك لا يستجيب دعائي؟!! أرجوكم أخبروني ماذا أفعل؛ لأني في ضيق شديد، وجزاكم الله خيرا.

الإجابة 13/01/2025

ابنتي الكريمة، حياك الله تعالى، وحيا أهل فلسطين جميعهم، حراس الأقصى، وأهل الرباط. ومرحبا بك على موقعك، ونشكر لك تواصلك معنا، ونرجو أن نكون عند حسن ظنك بنا إن شاء الله تعالى، وبعد...

فأسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منك طاعاتك وعباداتك، ويربط على قلبك، ويمدك بمدد من عنده، إنه على ما يشاء قدير.

ابنتي الفاضلة: أحييك وأهنئك على حالك هذا مع الله -عز وجل- ولجوئك إليه -سبحانه وتعالى- إذ كان هذا دأب النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، والسلف الصالح من بعدهم، حيث كانوا يتوجهون بحاجاتهم كلها لرب العباد سبحانه وتعالى، صغيرها وكبيرها.

إن الدعاء من أعظم العبادات، بل هو العبادة الحقيقيَّة ذاتها، لدلالته على إقبال العبد على الله عزَّ وجلَّ والإعراض عمَّن سواه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» (رواه الترمذيّ، وقال: حسنٌ صحيح).

والله -سبحانه وتعالى- قريبٌ من عباده، وهو عزَّ وجلَّ يبادر بإجابة دعواتهم، حيث قال عزَّ وجلّ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: 186).

وقد أنبأنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه: «ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه في ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل، يقول: دعوت ربي فما استجاب لي» (رواه الترمذي).

فكل دعاء العبد مستجاب، وإن كانت هذه الإجابة قد تتعدد صورها، فقد تحصل الاستجابة في الدنيا بالصورة التي أرادها العبد، وقد تحصل بادخارها له في الآخرة، وقد تحصل بالتكفير عن ذنوبه وخطاياه.

واعلمي –يا ابنتي– أن إجابة الدعاء ليست متوقفة على ألفاظ الدعاء وعباراته، بقدر ما هي متوقفة على القلب الذي يخرج منه هذا الدعاء، ممَّ تغذى؟ وبم امتلأ؟

إن لإجابة الدعاء شروطًا يجب أن تستوفى وتستكمل، منها:

1- التوبة وتطهير الباطن: فقد قيل للحسن: ما لنا ندعو الله فلا يستجيب لنا؟ فقال: «دعاكم فلم تستجيبوا له».

2- حضور القلب: فالله -عز وجل- لا يقبل دعاء من قلب لاهٍ. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إني لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء».

3- الافتقار وإظهار المذلة بين يدي الله.

4- العزم في الدعاء: حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مكره له».

5- عدم الاستعجال، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت ربي فلم يستجب لي». وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم».

وأذكر في هذا السياق قول ابن عطاء الله: «لا يكن تأخر أمر الإجابة مع الإلحاح في الدعاء من موجبات يأسك، فإنه يستجيب لك في الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وبالشكل الذي يريد، لا بالشكل الذي تريد».

6- الأكل من الحلال: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ (المؤمنون: 51)، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ (البقرة: 172)، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ويقول: يا رب، ومطعمه حرام ومشربه من حرام وملبسه من حرام وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب له».

وكما أن للدعاء شروطًا، فله أيضا آداب، منها:

1- استقبال القبلة ورفع اليدين عند الدعاء.

2- ابتداء الدعاء وانتهاؤه بالثناء على الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد دخل رجل يصلي فقال: «اللهم اغفر لي وارحمني»، فقال صلى الله عليه وسلم: «عجلت أيها المصلي. إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلِّ عليَّ ثم ادعه». وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: «من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما».

3- تحري أوقات وأحوال الإجابة: فهناك أوقاتٌ وأحيانٌ وأحوالٌ فاضلة، إذا تحريتِ الدعاء فيها صار دعاؤك أقرب للإجابة، فهناك ساعةٌ في يوم الجمعة، وساعةٌ كلَّ ليلة، ووقت السَّحَر، وليلة القدر، ودُبُر الصلوات الخمس، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند شرب ماء زمزم مع النيَّة الصادقة، وفي السجود في الصلاة، وعند التأمين في الصلاة، والدعاء عند المريض، ودعاء يوم عرفة في عرفة، والدعاء في شهر رمضان، وعند اجتماع المسلمين في مجالس الذكر، وعند المصيبة، ودعاء الوالد لولده، ودعاء المسافر، ودعاء المضطَّر.

4- خفض الصوت: فقد قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (الأعراف: 55)، وقيل يا رسول الله: آلله بعيد فنناديه أم قريب فنناجيه؟ فأنزل الله تعالى قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).

5- تجنب التكلف في الدعاء: كحفظ العبارات المسجوعة والإطالة في الدعاء، والأَولى أن يكون من القلب وبالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ماذا تقول؟» قال: أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: «حولهما ندندن».

6- اليقين بالإجابة: فعندما يرفع المؤمن دعاءه إلى الله -عزَّ وجلّ- ينبغي أن يوقن بالإجابة؛ لذا فإنَّنا نعزم في الدعاء ولا نستثني، والعزم هو أن نطلب ما نريد بلا تردُّدٍ ولا تعليقٍ للأمر، والاستثناء عكس العزم؛ وهو أن نعلِّق الاستجابة على مشيئة الله سبحانه وتعالى، وبما أنَّنا نعتقد أنْ لا شيء يُلزِمُ المولى عزَّ وجلّ، فقد أُمرنا أن نعزم في الدعاء ولا نُعَلِّقه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولنّ: اللهمَّ إن شئت فأعطني، فإنَّه لا مستكره له».

ومن الوسائل الكريمة التي تؤهِّل دعاء العبد للإجابة:

أن يدعو لغيره، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أَنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثل».

وكذلك طلب الدعاء من الصالحين، وقد فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذلك، فعن أسير بن جابرٍ -رضي الله عنه- قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفِيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مرادٍ ثمَّ من قَرَن؟ قال: نعم، قال: فكان بك بَرَصٌ فبرِأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مرادٍ ثمَّ من قَرَن، كان به بَرَصٌ فبرِأ منه إلا موضع درهم، له والدةٌ هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» فاستغفر لي، فاستغفر له.

وأيضًا يعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأمينًا للإجابة، حيث قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم».

أسباب عدم إجابة الدعاء:

إضافةً إلى ما سبق، فهناك أسبابٌ تمنع استجابة الله عزَّ وجلَّ لدعاء العبد، ذكرها إبراهيم بن أدهم حينما مرَّ بسوق البصرة، فسأله الناس: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال: «لأنَّ قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدُّوا حقَّه، وزعمتم أنَّكم تحبُّون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركتم سنَّته، وقرأتم القرآن ولم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله ولم تؤدُّوا شكرها، وقلتم: إنَّ الشيطان عدوٌّ لكم، ولم تخالفوه، وقلتم: إنَّ الجنة حقّ، ولم تعملوا لها، وقلتم: إنَّ النار حقّ، ولم تهربوا منها، وقلتم: إنّ الموت حقّ، ولم تستعدوا له، وانتبهتم من النوم فاشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم».

أخطاء تقع في الدعاء:

وهناك أخطاء تقع في الدعاء، يجب أن ينتبه إليها الداعي ويحذر منها، مثل أن يشتمل الدعاء على شيءٍ من التوسُّلات الشركيَّة أو البدعيَّة، وتمنِّي الموت، وسؤال الله ذلك، والدعاء بتعجُّل العقوبة، والدعاء بما هو مستحيل، أو بما هو ممتنعٌ عقلاً أو عادةً أو شرعا، والدعاء بأمرٍ قد تمَّ وحصل بالفعل وفُرِغ منه، وأن يدعو بشيءٍ دلَّ الشرع على عدم وقوعه، والدعاء على الأهل والأموال والنفس، والدعاء بالإثم كأن يدعو على شخصٍ أن يُبتلَى بشيءٍ من المعاصي، وتحجير الرحمة، كأن يقول: «اللهمَّ اشفني وحدي فقط، وارزقني وحدي فقط»، وأن يخصَّ الإمامُ نفسَه بالدعاء دون المأمومين إذا كانوا يُؤمِّنون وراءه، وترك الأدب في الدعاء، والدعاء على وجه التجربة والاختبار لله عزَّ وجلّ، كأن يقول: «سأجرِّب وأدعو لأرى أيستجاب لي أم لا؟»، وقول بعضهم: «سأدعو الله فإن نفع وإلا لم يضرّ»، وكثرة اللحن أثناء الدعاء، واليأس وقلَّة اليقين من إجابة الدعاء، ودعاء الله بأسماء لم ترد في الكتاب والسنَّة، والمبالغة في رفع الصوت، وتصنُّع البكاء ورفع الصوت بذلك.

ابنتي العزيزة، ربما لم يعجِّل الله -عز وجل- لك إجابة دعوتك، لا لأنك لست مقبولة عنده كما تظنين، ولكن لأنه -سبحانه- يحب سماع صوتك في إلحاحك عليه بالدعاء، وذاك فضل عظيم منه سبحانه. وربما كانت هذه المسألة –يا ابنتي– قد سبق في علم الله -عز وجل- أن في إجابتها لك ضررًا عليك لا تدركينه أنت، وأراد الله -عز وجل- أن يقيك هذا الشر، وأن يعوضك عنها خيرًا في الدنيا أو الآخرة.

أخيرا يا ابنتي..

يقول أنس رضي الله عنه: دعا رجل فقال: «اللهم إني أسألك، بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون بما دعا هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم: قال: «والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى».

فعليك بهذه الصيغة، مع وضعها في سياقها، أي باكتمال الشروط والآداب المذكورة. واذكرينا في دعائك.

وفقك الله لما يحب ويرضى، وحقق لك ما تتمنين، وأسعدك في الدنيا والآخرة، وتابعينا بأخبارك.