الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
697 - رقم الاستشارة : 795
25/01/2025
أعلم أن الله رحيم وعادل، لكن كيف أستطيع أن أرى رحمته وسط كل هذا الألم الذي أعيشه؟ أحيانًا أشعر أنني أبحث عن إجابة لا تأتي. كيف يمكنني أن أصل إلى درجة الطمأنينة التي تجعلني أثق بالله تمامًا، حتى عندما أشعر أن حياتي تنهار من حولي وأعاني أشد المعاناة؟
أخي الحبيب، مرحبًا بك، وأسأل الله أن يملأ قلبك بالسكينة واليقين، وأن يرفع عنك كل ألم وحزن، وبعد...
فسؤالك مليء بالصدق والإيمان، ويُظهر شوقًا حقيقيًّا لمعرفة الله ورحمته، وهذا بحد ذاته خطوة عظيمة نحو الطمأنينة واليقين.
أخي الحبيب، إن الألم في حد ذاته، بدنيًّا أو شعوريًّا لهو نافذة كبيرة لرؤية رحمة الله –عز وجل- من خلالها، ولكن لكي تستعد عيناك لرؤية هذه الرحمة، فدعني أذكِّرك بأن تألمنا في هذه الدنيا جزء من طبيعتها التي أرادها الله لنا، فهي دار اختبار وليست دار نعيم. يقول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (سورة البلد: 4).
وهذه الابتلاءات ليست دليلاً على غضب الله أو بعده عنك، بل هي علامة على حب الله لك، وحرصه على تقويمك، وإعدادك لأعظم الثواب، وهو الجنة. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ –عز وجل- إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم» (رواه الترمذي).
وإن رحمة الله في الألم تظهر بجعلك أقرب إليه بسببه، وأكثر طهارة، وأعمق إيمانًا وقدرة على تحمله ومواجهته، قال الله تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (سورة البقرة: 216).
وقَدِمَ علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إذَا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أتُرَوْنَ هذِه طَارِحَةً ولَدَهَا في النَّارِ؟» فقالوا: لَا، وهي تَقْدِرُ علَى ألَّا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: «لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا» (رواه البخاري).
إن الله يعلم ضعفك، وقد وعدك أنه لا يكلفك فوق طاقتك، ولا يبتليك إلا بما تتحمل، فقد قال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (سورة البقرة: 286).
فقد يكون ما تعيشه الآن وسيلة ليرفع الله درجاتك في الجنة، أو ليدفع عنك شرًّا أعظم، أو ليهيئك لأمرٍ عظيم مستقبلًا. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما مِن مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أذًى؛ مَرَضٌ فَما سِواهُ، إلَّا حَطَّ اللَّهُ له سَيِّئاتِهِ، كما تَحُطُّ الشَّجَرَةُ ورَقَها» (رواه البخاري).
وإن الطمأنينة التي تسعى إليها إنما تأتي عندما يتشبع القلب بحب الله ويقينه بقدره، ويساعدك على الوصول إليها عدة وسائل، أذكر لك منها:
1- الذِّكر وتلاوة القرآن:
فابدأ يومك بقراءة القرآن، ولو آيات قليلة، واجعل لسانك رطبًا بذكر الله دائمًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ» (رواه البخاري).
2- الدعاء:
صِل نفسك بالله عبر الدعاء، وكن صادقًا في طلب العون والراحة منه، واعلم -أخي الحبيب- أن الله -عز وجل- قريب منك أكثر مما تتخيل. هو يسمع أنينك، ويعلم ما في قلبك. يقول الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (سورة البقرة: 186). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدُّعاءُ هو العبادةُ» (رواه الترمذي).
والدعاء سلاح المؤمن، ووسيلته للتواصل مع الله في أي لحظة. والله عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حَيِيٌّ كريمٌ، يَستحيِي مِن عبدِهِ إذا رفَع يدَيْهِ إليه أن يردَّهما صفرًا» (رواه الترمذي).
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ القَضَاءِ، وَبَرْدَ العَيْشِ بَعْدَ المَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ» (رواه النسائي).
3- الصبر والرضا:
اصبر وكن راضيًا بقضاء الله. الرضا لا يعني غياب الألم، بل يعني قبول حكمة الله. يقول الله عز وجل: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (سورة التغابن: 11). لذلك، كل دمعة وكل أنّة من الألم تزيدك قربًا من الله إذا صبرت ورضيت بحكمه. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ» (رواه الترمذي).
وكلما رضيت بقضاء الله شعرت بسكينة عجيبة، حتى في أشد لحظات الألم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ! إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ له خَيْرٌ، ولَيْسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا لهُ، وإنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكانَ خَيْرًا لهُ» (رواه مسلم).
والله وعدنا أن مع العسر يأتي اليسر: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (سورة الشرح: 5 و6). فالله يهيئ لك الخير حتى في وسط الشدة، وإن كنت لا تراه الآن.
4- الصحبة الصالحة:
اجلس مع من يذكرك بالله ويعينك على الثبات، يقول جل وعلا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (سورة الكهف: 28).
5- تأمل رحمة الله في حياتك:
حتى وسط الألم، هناك نعم كثيرة تحيط بك. تأمل في صحتك وسلامتك، في بيتك، في زوجتك، في أولادك، في وظيفتك، في فرصة الحياة ذاتها، في لحظات بسيطة كابتسامة أو لحظة هدوء، والشكر على هذه النعم يجلب الطمأنينة والزيادة فيها، فالله -عز وجل- يقول: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (سورة إبراهيم: 7).
6- الأمل في جنة الله:
تذكّر أن هذه الدنيا زائلة، وما عند الله خير وأبقى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ» (رواه مسلم). فالجنة هي وعد الله للمؤمنين الصابرين؛ حيث لا ألم ولا حزن.
فحين تضيق الدنيا عليك، استحضر وعد الله لعباده الصابرين. إن كل ألم في الدنيا يتلاشى أمام نعيم الجنة. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (سورة الزمر: 10). ويقول جل وعلا: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (سورة ق: 35).
وفي الحديث القدسي، يقول الله تعالى: «أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ» (رواه البخاري).
فتخيل أنك يوم القيامة تقف بين يدي الله، فيرى صبرك واحتسابك، فيغدق عليك من رحمته وكرمه، ثم يدخل عليك السعادة الأبدية. يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الجنة: «يُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ» (رواه مسلم). فكل آلامك ستصبح ذكريات بعيدة تُنسى حين ترى الجنة.
ختامًا –أخي الكريم- اعلم أن الله معك، وأنه يحبك ويسمعك ويراك، ولن يخذلك، فاستمر في السعي نحوه –سبحانه- وستجد الراحة بإذنه. ثق بأن كل هذا الألم مؤقت، وأن الله يعد لك الخير العظيم. وتابعنا بأخبارك.