23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د رمضان فوزي
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 22
  • رقم الاستشارة : 1022
16/02/2025

بسم الله الرحمن الرحيم، أولاً أنا سعيدة جدًّا أني سأشارك بسؤال في الموقع الرائع هذا؛ أنا مشكلتي بمنتهى السهولة أني وسط في كل حاجة، يعني مكنتش محجبة قبل كدة، بس عمري ما كان لبسي أو سلوكي مبتذل، برده صلاتي مش مبصليش بس مش الصلاة المفروضة ومن سنة تعرفت خلال كورس للكمبيوتر واللغة على بنات في منتهى التدين وخرجت من الفترة دي واحدة تانية؛ مهتمة جدًّا بديني وصلاتي بقيت بصلي كل السنن المفروضة واستنى إمتى تيجي وقت الصلاة الجاية، بس شوية بشوية الموضوع بدا يقل عندي لغاية مرجعت زي الأول، أنا كنت عارفة أن الشيطان مش هيسبني وإنه لازم هيخليني أسوء بس أنا كل مشكلتي دلوقتي هي صلاتي أنا بصلي بس من غير إحساس، مجرد إحساسي أني بصلي علشان أحس أن لسة برده فيه أمل! نفسي أرجع أهتم بصلاتي اهتمامي الأول، أنا دلوقتي بشتغل ولو في شغلي بستأذن أول ما الأذن يأذن علشان أقوم أصلي، ولو يوم أجازتي بصلي بس بالضالين مش عارفة إيه حصلي بس نفسي أبقى أحسن مش عايزه أفقد الخيط الرفيع اللي بيربطني بربنا نفسي أقويه عارفة أني كتبت استشارتي بالعامية، وإن كلامي كله مش مرتب، بس حبيت أكتب كأني بتكلم، شكراً جداً على اللي بتبذلوه من مجهود، وأسأل الله أن يجزيكم به خيرًا.

الإجابة 16/02/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أختنا في الله..

ونحن أيضاً سعداء جداً باستشارتك، ونشكرك على ثقتك بنا.

أختي، لقد سعدت جداً باستشارتك؛ لأنها جعلتني أقف مع نفسي وأسألها: أين أنا من الإحساس بالصلاة؟ هل أؤدي الصلاة بخشوع وخضوع وتدبر، أم هي حركات جوفاء لا روح فيها؟ وكذلك مع كل العبادات؛ هل قلوبنا خلت من الدنيا والتعلق بما فيها فلا نشعر بما ذكره ابن القيم: «يفتح له باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد يشبع منها، ويجد فيها من اللذة والراحة أضعاف ما كان يجده في لذة اللهو واللعب، ونيل الشهوات، بحيث إنه إذا دخل في الصلاة ودَّ ألا يخرج منها، ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله؛ فلا يشبع منه، وإذا سمعه هدأ قلبه به كما يهدأ الصبي إذا أعطي ما هو شديد المحبة له..».

أختاه، اسمحي لي أن أبدأ قراءة استشارتك من نهايتها، ثم بعد ذلك سأقف معك بعض الوقفات التي أراها ضرورية في بداية استشارتك، وإن لم تكن خاصة بالإحساس بالصلاة والخشوع فيها.

لب استشارتك أنك تشكين من عدم الإحساس بالصلاة، فتقولين: «مجرد إحساسي إن لسة بأصلي علشان أحس إن لسة فيه أمل، نفسي أرجع أهتم بصلاتي اهتمامي الأول».

وأقول لك، يا أختي: إنني أغبطك على إحساسك هذا وعلى روحك هذه، واحمدي الله عز وجل أن هداك إلى التفكير في كيفية الإحساس بالصلاة، ولم يجعلك من الغافلين الذين يؤدون الصلاة حركات جوفاء لا روح فيها ولا إحساس وهم مع ذلك لم يقفوا مع أنفسهم وقفة ليحاسبوها على ذلك، انظري أنت أفضل من آلاف بل من ملايين المسلمين المصلين الذين لا يعرفون داءهم ولا يسعون لعلاجه، وها أنت قد شخصت داءك وهو عدم الإحساس بالصلاة، وتوصلت لسبب هذا الداء وهو الشيطان، إذن فالعلاج سهل، إن شاء الله؛ فمعرفة الداء نصف الدواء.

ثم تزداد غبطتي لك حين تقولين: «أنا دلوقتي باشتغل، ولو في شغلي باستأذن أول الأذان يؤذن، علشان أقوم أصلي»، فكم من أناس ألهتهم أعمالهم عن الصلاة! بل إن منهم من يجمع صلوات اليوم كلها في وقت واحد، فينقرها نقر الديكة، ثم أغبطك أكثر وأكثر حينما تقولين: «بس نفسي أبقى أحسن مش عايزه أفقد الخيط الرفيع اللي بيربطني بربنا، نفسي أقويه»، ما أروع هذه الروح الوثابة، وهذه العزيمة القوية، وهذا الاستعداد الصادق للتغيير! إنك حريصة على الخيط الذي يربطك بربك، ألم تعلمي أن ربك اللطيف بعباده الغني عنهم أحرص على هذا الخيط منك؟! ألم تسمعي قوله في الحديث القدسي: «إذا تقرب إليَّ العبد شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إليَّ ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني مشياً أتيته هرولة» (رواه البخاري).

أختاه، إنك عرفت داءك، وسبب هذا الداء، وعندك استعداد وعزم صادق على التغيير؛ إذن فأبشري؛ فإنك قطعت معظم الطريق للعلاج، والجزء المتبقي سيكون سهلاً بإذن الله.

ونحن في رحاب الحديث عن الصلاة أنقل لك قول إمام دعاة هذا العصر الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله، إذ يقول: «إن الصلاة هي الركن الذي يتكرر كل يوم خمس مرات بخلاف بقية الأركان؛ فالزكاة لا تكون إلا كل عام، وكذلك الصيام، وحج الفريضة لا يكون إلا مرة واحدة في العمر، وتكرار الصلاة في اليوم خمس مرات؛ ذلك للتعبير عن دوام الولاء العبودي لله تبارك وتعالى: قال تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة: 110)، والصلاة حين تتكرر كل يوم فإنها تعطي المؤمن شحنة اليقين والإيمان، وتأخذه من دنياه للوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى خمس مرات في اليوم والليلة، وهذه هي العبادة التي لا تسقط أبداً عن الإنسان؛ فهو يؤديها في حال الصحة، وحال المرض، فالمؤمن يستطيع أن يصلي واقفاً، وأن يصلي جالساً، وأن يصلي راقداً، ولا مانع إذا اضطرته الظروف أن يجري مراسم الصلاة على قلبه.

وعندما يرتفع صوت المؤذن بقوله: «الله أكبر» فهذه دعوة للإقبال على الله تعالى، إقبال في ساعة معلومة، للوقوف بين يديه سبحانه واستحضار عظمته؛ فيعطينا سبحانه وتعالى المدد، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) (البقرة: 238)، والقنوت في الصلاة معناه: الخشوع والاطمئنان والمداومة» ا.هـ.

وصايا مهمة:

وأنت تريدين أن تحسي بصلاتك وتتذوقي حلاوتها وخشوعها، إليك عشر وصايا لعلها تفيدك في ذلك:

1- عليك أن تتهيئي للصلاة وتستعدي لها: وذلك بعدة أمور؛ منها: الترديد مع المؤذن، والإتيان بالدعاء المشروع بعده «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته»، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»، «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين».

2- اطمئني في صلاتك: أي احرصي على إتمام ركوعها وسجودها وكل أركانها؛ فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته»، قيل: يا رسول الله، كيف يسرق صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها» (رواه أحمد والحاكم).

3- حاولي أن تتدبري الآيات المقروءة: فإذا كنت تصلين في جماعة فأنصتي لما يتلوه الإمام من آيات، وإذا كنت منفردة فأنصحك أن تبدئي بحفظ قصار السور من جزء «عم»، وبعد أن تحفظي السورة حاولي أن تتعرفي على معانيها من بعض التفاسير الميسرة، ثم بعد ذلك اقرئيها في صلاتك مع تدبر معانيها، ورددي الآية أكثر من مرة فذلك أدعى للتدبر، وتخيلي أن هذه الآيات نزلت لتخاطبك أنت لا أحد غيرك.

ويفضل أن تقطّعي قراءتك آية آية، فذلك أدعى للفهم، وهو سُنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرت أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، وفي رواية: ثم يقف، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وفي رواية: ثم يقف، ثم يقول: ملك يوم الدين، يقطّع قراءته آيةً آية (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

4- احرصي على ترتيل الآيات وتحسين صوتك بها: فهذا مما يعين على الخشوع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «زيّنوا القرآن بأصواتكم؛ فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً» (أخرجه الحاكم).

5- استشعري وثقي أن الله يخاطبك ويعطيك سؤالك: وإليك حديثاً عظيماً جليلاً، لو استحضره كل مصلٍّ لحصل له خشوع بالغ، ولوجد لسورة «الفاتحة» أثراً عظيماً، كيف لا وهو يستشعر أن ربّه يخاطبه ثم يعطيه سؤله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» (صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة).

فينبغي إجلال هذه المخاطبة، وقدرها حق قدرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم إذا قام يصلي فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه» (مستدرك الحاكم).

6- استعيذي بالله من الشيطان الرجيم: إذا أحسست به يحاول أن يفسد عليك صلاتك فاستعيذي بالله منه؛ فقد ورد أن أحد الصحابة قال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبِّسها عليَّ، فقال رسول الله صلى عليه وسلم: «ذاك شيطان يُقال له خنزب؛ فإذا أحسسته فتعوّذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً»، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. (رواه مسلم)، وإذا حدث وتغلب عليك مرة فلا تقطعي صلاتك ولا تتوقفي عنها، ولكن حاولي معه مرات ومرات؛ فإنه سييأس منك؛ لأن كيده ضعيف.

7- تعرفي على حال السلف في صلاتهم: فهذا يزيد الخشوع ويدفع إلى الاقتداء بهم؛ فهذا سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء والله وقت أمانةٍ، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها.

وهناك الكثير من أحوالهم مما لا يتسع المقام لذكره هنا، ويمكن قراءة المزيد في كتاب «الخشوع في الصلاة» لابن رجب الحنبلي.

8- تعرفي على مزايا الخشوع في الصلاة: فمعرفة مزايا الشيء تدفع إلى الاجتهاد في طلبه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله» (رواه مسلم).

9- تذكري الموت في الصلاة: فإن الإنسان إذا شعر أن هذه ربما تكون آخر صلاة له؛ فإنه سيحرص على الخشوع فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذكر الموت في صلاتك؛ فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها».

10- وأخيراً، أختاه، إذا قمت للصلاة فاخلعي الدنيا من قلبك واتركيها وراء ظهرك، واجعلي وقت الصلاة خالصاً للصلاة، ليس للدنيا فيه حظ ولا نصيب، ولتكوني مثل حاتم الأصم الذي سألوه: كيف تخشع في صلاتك؟ فقال: «أخشع في صلاتي بأن أقوم فأكبر وأتخيل أن الكعبة بين عيني، وأن الصراط تحت قدمي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار على شمالي، وأن ملك الموت ورائي، وأن رسول الله يتأمل صلاتي، وأظنها آخر صلاة لي؛ فأكبر الله تعظيماً، وأقرأ بتدبر، وأركع بخضوع، وأسجد بخضوع، وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته، ثم أسلم وأقول: أتراها قبلت أم لا؟».

وقفة أخرى:

أختنا الفاضلة، هيا بنا نعيد قراءة استشارتك من بدايتها؛ لأن لي بعض الوقفات التي أسأل الله أن يتسع صدرك لتقبلها والعمل بها.

تبدئين توصيف مشكلتك فتقولين: «مشكلتي بمنتهى السهولة أني وسط في كل حاجة»، ثم تعرفين هذه الوسطية بأنك لم تكوني محجبة ولكن لم يكن لبسك أو سلوكك مبتذلاً، ثم تقولين جملة لم أستطع فهمها جيداً وهي –بنصها- «برده صلاتي مش مبصليش بس مش الصلاة المفروضة»، وإن كنت أظن أنك تريدين أن تقولي: إنك كنت تصلين ولكن ليس كما ينبغي.

ولي على كلامك هذا ملاحظتان:

أولاهما: وهي في قولك: «مشكلتي بمنتهى السهولة أني وسط في كل حاجة»، فأقول لك: إن الوسطية لم تكن أبداً مشكلة؛ فالوسطية من الخصائص العامة للإسلام، وهي من المعالم الأساسية التي ميز الله بها أمته عن غيرها، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة: 143).

أما الملاحظة الثانية؛ فهي خاصة بفهمك للوسطية؛ فأنت ترين أنك ما دام سلوكك ولبسك غير مبتذل فأنت بذلك «وسط» حتى لو لم تكوني محجبة، ولكن الوسطية في الإسلام تكون فيما فوق خط الواجبات في الدين؛ فمثلاً الوسطية في اللبس يجب أن تتصف بمواصفات معينة مثل ألا يشف ولا يصف وأن يغطي جميع البدن ما عدا الوجه والكفين –على خلاف في ذلك- ولكن أن ينزل عن هذا المستوى فهذا خروج عن المباحات.

وأسوق لك هنا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن لكل عمل شِرّة (نشاطاً) ولكل شِرّة فترة (فتور واسترخاء)؛ فمن كانت فترته إلى سُنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل» (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح)، فلتحرصي أختي أن يكون فتورك واسترخاؤك إلى سُنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وألا يكون لغير ذلك.

ومن خلال استشارتك بصفة عامة أوصيك أن تتعرفي على دينك جيداً؛ فأنت قد وفقك الله ووصلت لدرجة البكالوريوس في حياتك العلمية؛ أي أنك أصبحت صاحبة عقلية مثقفة مستعدة للتعرف على أحكام دينها وتطبيقها، فالله عز وجل قد أرسل إلينا الرسل ليوضحوا لنا كيف نؤمن به حق الإيمان، وكيف نعبده حق العبادة، ورسل الله قد تعبوا ولاقوا الكثير من الشدائد والعقبات لتوصيل هذا الدين لنا، وفي كل عصر من العصور هناك علماء ودعاة يأخذون بأيدي الناس إلى الله، ونحن قد منَّ الله علينا بأن أوجدنا في عصر المعلومات والإنترنت؛ فما أسهل أن يجد الإنسان المصدر الذي يتعرف من خلاله على ربه وأمور دينه؛ ولذلك فإن الحجة قائمة علينا ولا عذر لجاهل، وأنت قد بدأت هذا الطريق (طريق المعرفة) بإرسالك هذه الاستشارة التي نسأل الله أن تكون فاتحة خير وهداية.

أختي، إن نِعَم الله علينا أكثر من أن تحصى أو تعد؛ فهو الذي خلقنا ورزقنا ووهبنا العقل الذي نتميز به عن غيرنا من المخلوقات، ونتعرف به على الله تعالى، ولو نظرنا في أنفسنا لوجدنا الكثير من النعم التي تدل على قدرة الخالق جل وعلا؛ أفلا يستحق هذا الخالق أن نتعرف عليه ونعبده، وهذا لا يتأتى إلا بالمعرفة والتعلم؛ فأوصيك أن تتعلمي أمور دينك وتتعرفي عليها، وليكن ذلك في البداية تعلماً أفقياً وليس رأسياً؛ أي أن تقرئي شيئاً ولو مختصراً في كل فرع من فروع الدين، ولا تتعمقي في فرع واحد على حساب باقي الفروع، فاقرئي شيئاً في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وشيئاً في العبادات، وشيئاً في الأحلاق والتزكية.. وهكذا.

وربما يفيد في هذا المجال أن تقرئي الكتب التالية أو ما تيسر منها: كتاب «طوق النجاة» للأستاذ مجدي الهلالي، وكتاب «رسالة من غريق» للأستاذ مجدي الهلالي، كما أنصحك أن تقرئي كتاب «منهاج المسلم» للشيخ أبو بكر الجزائري، و«فقه السُّنة» للأستاذ سيد سابق، و«خلق المسلم» للأستاذ محمد الغزالي، و«تبسيط العقائد» للشيخ حسن أيوب.

أختي في الله، نأتي إلى المرحلة الثانية من حياتك وهي النقلة التي منَّ الله بها عليك؛ فهيأ لك الصحبة الصالحة من خلال دورة اللغة والكمبيوتر «فتعرفت على بنات في منتهى التدين»، وفي هذه الفترة أصبحتِ «واحدة تانية مهتمة جداً بديني وصلاتي، وبقيت أصلي كل السنن المفروضة (من خلال قراءتك في فقه الصلاة ستعرفين أن هناك فرقاً بين السُّنة والفرض) وأستنى متى يجيء وقت الصلاة الجاية».

وهذا طبيعي، فالصحبة الصالحة دائماً معينة على طاعة الله عز وجل، وهؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتنادون فيما بينهم: «هيا بنا نؤمن ساعة»، وأنت قد شخّصت موطن دائك فقلت: «أنا كنت عارفة إن الشيطان مش هيسبني، وإنه لازم هيخليني أسوء»، وهذا موطن الداء؛ فإن الفرد إذا كان وحده فإنه يسهل على الشيطان إغواءه وإضلاله، عكس ما إذا كان في صحبة صالحة؛ فإن الشيطان لا يستطيع أن يغويه ويؤثر فيه، وقد قرب لنا حبيبنا المعصوم صلى الله عليه وسلم ذلك في صورة واقعية ملموسة، فقال: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»؛ فتخيلي أن هناك قطيعاً من الأغنام شردت منه غنمة واحدة، وجاء الذئب؛ فماذا يأكل؟ هل يأكل من القطيع أم يأكل الغنمة الشاردة القاصية الوحيدة؟ بالطبع سيأكل الغنمة الوحيدة؛ لأنها ستكون سهلة عليه، ولن تجد من يعينها على المقاومة؛ فكذلك المسلم يستطيع مقاومة الشيطان إذا وجد من يعينه على ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ومن أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة» (رواه الترمذي)، وبعد فشل الشيطان معه أكثر من مرة فإنه يتركه ويهرب منه ويصير الإيمان والالتزام طبعاً لهذا المسلم.

واعلمي أن الشيطان ضعيف يسهل التغلب عليه ومقاومته؛ فقد قال الله تعالى الذي خلق الشيطان وهو أعلم به منا: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء: 76)، وأنه ليس له سلطان على بني آدم يجبرهم به على فعل المعاصي، ولكن دوره لا يتعدى أنه يدعوهم ويلح في دعائه إلى المعصية، حتى يأتي يوم القيامة ويقف على منبر من نار في جهنم، ويتبرأ ممن اتبعه كما أخبر الله عز وجل: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (إبراهيم: 22)، وقد أنزل الله عز وجل سورتي «الفلق» و«الناس» لنتعوذ بهما من الشيطان الرجيم، وشرع لنا عند استفتاح قراءة القرآن الكريم أن نقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».

فأنصحك حتى تعودي إلى مستواك الذي كنت عليه من الاهتمام بدينك وصلاتك أن تكثري من الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وأن تكثري من قراءة القرآن، خاصة سورتي «الفلق» و«الناس».

كما أنصحك أن تتعرفي على مجموعة من الأخوات اللائي ترين فيهن الصلاح والتقوى، حتى يساعدنك على الرجوع إلى ما كنت عليه، فإن استطعت أن تعودي لصاحباتك اللائي تعرفت عليهن في الدورة فبها ونعمت، وإن لم تستطيعي فابحثي عن مجموعة أخرى في المنطقة التي تعيشين فيها ولن تعدمي مجموعة ملتزمة من الأخوات، واحرصي على الارتباط بهن والتقرب منهن، وليكن بينكن لقاء كل يوم أو كل أسبوع تتناقشن فيه في بعض أمور الدين، وتتواصين فيه بالمعروف، وتتنافسن في الطاعات، فيمكن أن يكون لكل واحدة منكن ورد محاسبة، مكتوب فيه الصلوات الخمس والنوافل وقراءة القرآن، تحرص كل واحدة أن تنظر فيه في آخر اليوم؛ فترى ماذا فعلت فتضع علامة «صح» أمام العبادة التي أديتها، وعلامة «خطأ» أمام العبادة التي قصرت فيها، ثم تجلس آخر الأسبوع لتتعرف على نقاط قوتها فتستفيد منها ونقاط ضعفها فتعالجها.

أختاه، سعدت جداً باستشاراتك، وأسأل الله أن يهدينا إلى سواء الصراط، إنه نعم المولى ونعم النصير.