22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 279
  • رقم الاستشارة : 611
07/01/2025

السلام عليكم.. بصراحة ووضوح، أنا أعاني من شكوك كثيرة حول وجود الإله، والإيمان بالأديان عمومًا، وأفكر كثيرًا فيما يطلقه الملحدون من مفاهيم وشبهات تبدو منطقية. أرجوكم، كيف أتغلب على هذه الوساوس والشكوك؟ أريد أن أرتاح.

الإجابة 07/01/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا أخي الكريم، وأسأل الله لك الهداية والثبات، والراحة في الدنيا والنعيم في الآخرة، وبعد...

فما تعاني منه هو أمر طبيعي يحدث لكثير من الناس في بعض مراحل حياتهم؛ حيث يمكن للإنسان أن يمر بمراحل من الشك والبحث عن الحقيقة، خصوصًا عندما يواجه بعض الأفكار التي قد تكون محيرة أو تؤدي إلى تساؤلات، مثلما هو شائع في عالمنا اليوم.

لذا أطمئنك وأريح قلبك أولًا، مؤكدًا على أن الشك في الإيمان ليس أمرًا غريبًا، بل هو جزء من رحلة الإنسان في التفكير والنضج الروحي، بل دعني أدهشك وأخبرك بأنه -على العكس- قد يكون دالًّا على صريح الإيمان وصدقه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، فقال: «وقد وجدتموه؟»، قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان» [رواه مسلم].

ولكي تتغلب على هذه الوساوس وتجد الراحة والاطمئنان في قلبك، سأتناول معك الموضوع من عدة جوانب:

1- الفكر العقلي والمنطقي:

من المهم أن نبدأ من الأسس العقلية. من أبرز الأدلَّة العقلية على وجود الله: دليل التصميم، ودليل السببية:

  • دليل التصميم (التعقيد والانتظام في الكون):

فعندما نلاحظ الكون من حولنا، نرى أن هناك نظامًا دقيقًا، وتوازنًا مذهلًا، سواء في الجاذبية التي تحافظ على استقرار الأرض في مدارها، أو في تركيبة الذرات التي تجعل الحياة ممكنة. كل هذا يشير إلى أن الكون ليس حادثًا أو عشوائيًّا، بل هو نتيجة لتصميم دقيق من قوة عليا. هذا النوع من التفكير قد يُقارَن بملاحظة ساعة معقدة مثلًا، حيث لا يمكننا أن نفترض أن هذه الساعة قد تكونت بدون صانع.

  • دليل السببية:

كل شيء في الكون له سبب، وهذه هي قاعدة أساسية في الفهم العقلي. فإذا تأملنا في الكون، فلا يمكن أن يكون هناك شيء «أزلي» أو «غير مسبب». لذا، يجب أن تكون هناك قوة أولى، أو سبب أولي، لا يعتمد على شيء آخر. وهذا ما يعبر عنه الفلاسفة بـ«المسبب الأول»، أو «العلَّة الأولى»، وهو ما نعرفه في الإسلام بـ«الله». الله -سبحانه وتعالى- هو الذي أوجد الكون وما فيه، وهو ليس مسبَّبًا من شيء آخر.

2- دليل التجربة الذاتية:

التجربة الدينية هي دليل قوي بالنسبة لكثيرين. فالتواصل مع الله من خلال الصلاة، والدعاء، والتأمل والتفكُّر، يمنح القلب شعورًا عميقًا بالطمأنينة والأمان. الله -سبحانه وتعالى- يقول في القرآن: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [سورة الأنفال: 2].

فعندما تسعى إلى الإيمان وتستشعر في قلبك الراحة بالقرب من الله، ستجد أن هذه التجربة الذاتية تدعم إيمانك وتعزز يقينك.

3- الرد على تساؤلات الملحدين:

قد تصادف بعض الأفكار التي يطرحها الملحدون، وهذه بعض الردود العقلية على أهم القضايا التي قد تثير شكوكك:

  • الشر والمعاناة في العالم:

يتساءل البعض: إذا كان الله موجودًا، فلماذا يوجد الشر والمعاناة في العالم؟ الجواب -باختصار- هو أن الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان مع الإرادة الحرة، وبهذه الإرادة يمكن للإنسان أن يختار الخير أو الشر. الشر ليس هو الإرادة الإلهية؛ بل هو نتيجة للخيارات التي يقوم بها الناس. كما أن المعاناة قد تكون اختبارًا للإنسان، لتمحيصه وتقوية إيمانه.

  • الإيمان بالغيب:

من يتساءل عن ضرورة الإيمان بالله الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه قد يشعر بالشك. ولكن الإيمان بالله ليس مجرد إيمان بما هو مرئي؛ بل هو إيمان بما وراء الحواس. وهذه هي صفة الإيمان الغيبي التي هي من أساسيات الإيمان في الإسلام. كما أن الإيمان بالأشياء غير المرئية هو ما نعيشه يوميًّا في حياتنا، مثل الإيمان بالهواء، والكهرباء، والجاذبية... إلخ.

4- البحث المستمر والتفكر:

لا يوجد عيب في البحث عن الحقائق وتوجيه الأسئلة؛ بل على العكس، الإسلام يشجع على التفكير والتدبر في خلق الله. ففي القرآن، الله -سبحانه وتعالى- يدعونا للتفكر في خلق السماوات والأرض: { قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} [سورة يونس: 101].

فإذا شعرت بالحيرة أو الشك، فابحث، واستفسر، واقرأ، وتحدَّث مع علماء الدين الذين تثق بهم. ويمكن للقراءة المتعمقة في كتب الفلسفة الإسلامية والعلمية أن توسع مداركك وتخفف من حدة التساؤلات.

5- الدعاء والتوجه إلى الله:

أحد أعظم الأدوات التي تساعد في التغلب على الوساوس هي الدعاء والتوجه إلى الله. كن صريحًا مع الله في طلبك للطمأنينة، واطلب منه أن يثبِّت قلبك على الإيمان. الله -سبحانه وتعالى- وعدنا بأنَّه لا يخيِّب دعاء المؤمنين. ويقول في الحديث القدسي: «أنا عند ظنِّ عبدِي بي، إنْ ظنَّ خيرًا فلهُ، وإنْ ظنَّ شرًّا فلهُ» [أخرجه ابن حبان واللفظ له. وأصله في صحيح البخاري].

في الختام...

أخي الكريم، الشك والتساؤل جزء من رحلة الإنسان نحو فهم أعظم وأعمق لوجوده وللعالم من حوله. لا تستعجل الحكم على نفسك، بل امضِ في طريق البحث والنقاش مع أهل العلم والاختصاص. واعلم أن الله معك، وأنه لا يضيع أجر من يسعى بصدق في البحث عن الحقيقة.

أسأل الله أن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يملأ قلبك باليقين والطمأنينة. وأرجو دوام التواصل للاطمئنان عليك.