الإستشارة - المستشار : د رمضان فوزي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
27 - رقم الاستشارة : 1054
19/02/2025
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.. جزاكم الله كل خير على ما تبذلونه من نفع للإسلام والمسلمين. كنت في حرب ضارية مع نفسي والشيطان منذ المرحلة الثانوية. فلقد كنت أفعل العادة السرية بانتظام نظرا لجهلي بحرمتها، وعدم توعية الأم بخطورتها. وعندما علمت بخطأي؛ ظللت أجاهد نفسي مرة وأسقط أخرى، ثم قرأت عن المجاهدة والمشارطة والمعاقبة، وصمت النوافل، والأهم دعوت الله ليلا ونهارا أن ينجيني من نفسي والشيطان إلى أن أكرمني ربي وبعدت عنها تماما؛ بل كرهتها ولم أعد أفكر فيها أصلا. وتم عقد قراني على شاب متدين جدا، وكانت المشكلة في أنه إن سلم علي باليد أو لمسني أحس بشهوة. جاهدت نفسي طول فترة العقد أني لن أفعل هذه المعصية مهما حدث؛ ومعي في طريقي المجاهدة والمعاقبة والصيام والدعاء. وسبحان ربي أن جعل همي في الإقلاع عن هذه المعصية؛ مع أني لم أكن أعلم إن كان الغشاء فض بسبب المعصية أم لا! وتم الزواج بفضل الله على ما يرضي الله ورسوله. والمفاجأة أنني وجدت الغشاء لم يفض بسبب المعصية. فأحسست كم أن الله معي. وفوق هذا أخلاق زوجي العالية وتدينه وكل الصفات الحسنة، فلم يكن يتصنع في أيام العقد، وداوم على طبعه كما عرفته. منذ ليلة الزفاف، وددت أن أسمع العالم كله قصتي؛ ليحسن الجميع الظن بالله، ويعلم كما هو رءوف بعباده. فلو لاحظتم لم أستعن بغيره فأعانني. وحين كان همي اتقاءه في البعد عن المعصية؛ رزقني من حيث لأحتسب، ورزقني الله بطفلين، يقول عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}. عذرا للإطالة فكم كنت أود أن أشرح لكم فضل الله علي أكثر وأكثر.. اللهم انفع بهذا الكلام، وجزآكم الله خيرا أن كنتم سببا في أن أوصل لغيري معنى عشته وأحسسته مع الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بك أختي السائلة، ونشكر لك ثقتك فينا ونسأل الله أن نكون أهلا لهذه الثقة.
كما نشكر لك أختي السائلة روحك العالية وهمتك القوية في مجاهدتك لنفسك والحرص على إرضاء ربك؛ فأنت وقعت في بعض المعاصي عن جهالة وحينما علمت بحرمتها سارعت بالتوبة والإقلاع عنها.
فأنت ممن قال الله عز وجل فيهم: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال عز من قائل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
لقد استوقفني في قصتك حرصك الدائم والمستمر على التوبة، خاصة أنه ارتبط بشخصية ناضجة وباحثة عن سبل الهداية؛ حتى جربت مراتب مجاهدة النفس التي ذكرها الإمام الغزالي في "إحياء علوم الدين" من مجاهدة ومشارطة ومعاقبة... مما لا يصل إليها إلا باحث صادق وصائد ماهر.
أختاه، أتمنى أن يطلع على قصتك هذه كثير من الشباب الذي تاهوا في غياهب المعاصي والمنكرات، وإذا سألت أحدهم قال لك: "إن الله غفور رحيم"، أو قال لك: "العمر أمامنا طويل، ودعنا نعش حياتنا"!! وكأنه اتخذ عن الرحمن عهدا أن يمهله حتى يتوب.
ويتحجج البعض بأن نفسه وشيطانه يغلبانه ولا يستطيع التحكم فيها، ولكنك ضربت له المثل والنموذج في أن من صدق مع الله يسر الله له سبل الهداية والرشاد.
والله عز وجل حينما أمرنا باجتناب المعاصي كان علمه قد سبق أن في استطاعتنا فعل ذلك؛ فهو عز وجل لا يكلف عباده بما لا يطيقون.
ومن الجميل أن يرى الإنسان أثر توبته وفعله الصالح؛ فيستشعر حقا معنى قول الله تعالى: {وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}، فإذا استشعر هذا المعنى وعايشه؛ يكون حريصا على التزود منه، فيعيش كل حياته وحركاته وسكناته طائعا لله متقيا له.
أختاه، إننا لو أخذنا نموذجك هذا، ونظرنا له من زاوية أوسع؛ فإننا نثق أن ما أصاب أمتنا من فقر وعوز إنما هو من أعمالنا ومعاصينا التي استوجبت ما حاق بنا. وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
أختاه.. استوقفني في كلامك موقف أهلك وعدم توعيتهم لك؛ فهذه مشكلة كبرى تقع فيها الكثير من عائلات المسلمين؛ فالأم راعية في بيت أهلها ومسئولة عن رعيتها.
ومن أهم مسئولياتها التي استرعاها الله تربية أبنائها وتوعيتهم بطبيعتهم وبحقيقة أجسادهم والمرحلة العمرية التي يعيشونها؛ فتفتح باب حوار صريح وهادئ مع ابنتها، تذكر لها ما لها وما عليها في هذه الفترة، وكيف تتصرف مع التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ عليها.
بهذا الحوار نضمن تنشئة صحيحة ومنضبطة بضوابط الإسلام والعرف السليم حتى لا تبحث البنت أو الولد عن هذه التساؤلات خارج المنزل. فربما صادفوا بعض الأماكن أو الأشخاص الموبوءين؛ فيقعون فريسة سهلة لهم، ويحدث ما لا تحمد عقبها.
وفي النهاية هذه أختاه تجربتك ننشرها لك على موقعنا لعل الله ينفع بها عاصيا فتكون معينا له، أو تائها في غياهب المعاصي فتكون دليلا ينير له الطريق لله رب العالمين؛ فهي كلمات تنضح بالصدق والنورانية لأنها عن تجربة صادقة وناجحة.