Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 95
  • رقم الاستشارة : 1550
09/04/2025

أنا موظفة بمكان فيه ناس وايد، ومن فترة صار بيني وبين واحدة من زميلاتي شوية مشاكل داخلية أو خل نقول مشاعر مو حلوة، يمكن كانت نابعة من غيرة أو ظنون، ما أدري بالضبط. بس للأسف، قمت أتكلم عنها جدام ناس، وأغتابها، وأقول أشياء كنت أتصورها صح، وكنت فعلاً أصدق إن اللي أقوله عنها صحيح، وكنت حتى أحذّر غيري منها وأذمّها وايد.

وبعد فترة، اكتشفت إني كنت غلطانة، وإن البنت بريئة من كل اللي قلته، وإنها مظلومة، وأنا ظلمتها بكلامي وتفكيري وتصرفي.

الحين قلبي تعبان وضميري مو مخليني أنام، وخايفة من ربي وايد، لأني أدري إن الغيبة ذنب عظيم، وأنا مو بس اغتبتها، لا، أنا شوهت صورتها عند الناس.

أبي أتوب، بس ما أدري شلون؟ ما أقدر أروح للناس اللي تكلمت جدامهم وأقول لهم إني كنت كذابة أو غلطانة، لأني وايد محرجة، وأخاف ينكسر وجهي جدامهم، وأخاف حتى أواجهها هي وأقول لها إني غلطت بحقها. أنا وايد خايفة، مو بس منها، ولا من الناس، أنا خايفة من ربي أكثر، أبيه يسامحني، وأبي أرتاح.

فسؤالي: شلون أتوب توبة صادقة ترضي ربي؟ وشلون أقدر أصلّح اللي سويته من غير ما أهين نفسي جدام الناس أو أحرج روحي؟ هل لازم أروح أعترف حق الناس وأقول لهم الحقيقة؟ ولا أكتفي بالتوبة والدعاء لها بالخير؟ ساعدوني الله يجزاكم خير، لأن قلبي وايد ثقيل وتايهة، وأبي حل يرضي الله ويخليني أرتاح.

الإجابة 09/04/2025

مرحبًا بكِ أختنا الكريمة، وأسأل الله أن يشرح صدرك، ويطهِّر قلبك، ويرزقكِ توبةً نصوحًا تُمحَى بها ذنوبك، وتُبدَّل بها سيئاتك حسنات، وتكون بداية جديدة لقلبٍ أنقى، ونفسٍ أصفى، وحياةٍ أقرب إلى رضا الله، وبعد...

 

فما أروع هذا القلب الذي يخاف الله، وما أصدق هذه النفس التي يُعذِّبها الندم على خطأ مضى، وما أنبل هذا الشعور الإنساني والإيماني الذي يدفع صاحبه للتوبة والسعي لإرضاء الله.

 

لقد لمستُ في كلماتكِ صدقًا واضحًا، وحرقةً على ما جرى، وهمًّا يقضُّ مضجعك. وهذه، والله، من أعظم بشائر التوبة؛ فالتائب الصادق يبدأ طريقه بالندم، وهذا ما نراه جليًّا في رسالتك. وقد قال رسول الله ﷺ: «الندم توبة» [رواه ابن ماجة].

 

فأبشري يا أختي، فإن الله أرحم بكِ من نفسك، وأقرب إليك من حبل الوريد، ويحبُّ عباده التائبين.

 

كيف تكون التوبة صادقة؟

 

إن التوبة بابٌ واسع في الإسلام، لا يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وهو باب فتحه الله لكل من أخطأ، صغيرًا كان أو كبيرًا، ما دام قلبه لا يزال ينبض بالإيمان والخوف من الله. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]. وهذه الآية -كما قال العلماء- أرجى آيات القرآن، تبثُّ الرجاء في قلب كل مذنب، وتُضيء عتمة الذنب بنور المغفرة.

 

إن التوبة الصادقة لها شروط، وقد اجتمعت في قلبك بفضل الله، وهي:

 

1- الندم على ما فعلتِ، وقد عبَّرتِ عنه بصدق في رسالتك.

 

2- الإقلاع عن الذنب، وقد تركتِ الغيبة والبهتان بعد أن علمتِ خطأك.

 

3- العزم على عدم العودة، وأنتِ تريدين ألا تكرري هذا الخطأ ما حييتِ.

 

4- ردُّ المظالم لأهلها، وهو ما تسألين عنه، وسأفصِّل لك فيه.

 

واعلمي أن من تاب توبة صادقة، فإن الله لا يغفر له فقط، بل يُبدل سيئاته حسنات، كما قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا، فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 70].

 

كيف تصلحين ما أفسدتِه؟

 

ما وقع منكِ، يا أختي، يدخل في باب الغيبة والبهتان، وهما من كبائر الذنوب. قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا، فَكَرِهْتُمُوهُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12].

 

لكن ما دمتِ قد ندمتِ، فهذا أوَّل أبواب الفرج. ويبقى الآن سؤال مهم: هل يجب أن تذهبي للناس وتخبريهم أنك كنتِ مخطئة؟

 

قال أهل العلم إن المظالم المتعلقة بالناس لا تُكفَّر إلا بردِّ الحق إلى صاحبه، أو طلب مسامحته. ولكن إن كان طلب المسامحة أو الاعتراف سيؤدي إلى فتنة أكبر، أو إلى قطيعة أو فضيحة، أو إلى جرح جديد، فيكفي أن تكملي توبتك بالأمور التالية:

 

1- أكثري من الدعاء لها بظهر الغيب:

 

ادعي لها بكل خير، كما أسأتِ لها بلسانك سابقًا. قولي: «اللهم اغفر لها، وارزقها، واستر عليها، وأكرمها، وارضَ عنها»، وأكثري من هذا الدعاء.

 

2- أثني عليها أمام من اغتبتها عندهم:

 

إن استطعتِ أن تعيدي شيئًا من صورتها الطيبة أمام من تحدّثتِ إليهم عنها بالسوء، فافعلي. مثلًا، قولي: «صراحةً، فلانة أثبتت لي أنها إنسانة محترمة»، أو «بديت أشوفها بصورة غير، والله يمكن ظلمناها»، وهكذا، بطريقة غير مباشرة.

 

3- افعلي الخير وأهدي ثوابه لها:

 

صومي، أو تصدَّقي، أو اقرئي قرآنًا، وادعي أن يكون ثواب هذا العمل لها، تكفيرًا عن الغيبة.

 

4- كوني على خُلق طيب معها:

 

ابتسمي لها، وساعديها، وادعي لها، فهذا سيصلكِ بقلبها دون أن تحرجي نفسك. فإن تيسر لك يومًا أن تعتذري منها بلطف ولين، دون أن تُحرجي نفسك أو تُفسدي شيئًا، فذلك خير، ولكن إن لم تستطيعي، فاستمري على ما سبق من إصلاح وتوبة، وهو كافٍ بإذن الله.

 

خوفك من الله وطلبك للراحة القلبية

 

خوفك من الله علامة حياة قلبك، وإحساسك بالذنب نعمة عظيمة لو تعلمين. هذا القلق الذي تعيشينه الآن هو عين التوبة، وهو الخطوة الأولى على طريق السلام والسكينة.

 

واعلمي، يا أختي، أن الله لا يخذل عبدًا رجع إليه باكيًا، خاشعًا، كسير القلب، قال النبي ﷺ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بتوبةِ عبدِهِ مِن أحدِكم سقط على بعيرِه، وقد أضلَّهُ في أرضِ فلاةٍ» [رواه مسلم].

 

فما دمتِ صادقة، فثقي أن الله سيطهِّر قلبك من الهم، ويملؤه نورًا وراحة؛ لكن أتمِّي توبتك بالطاعات، بالصلاة، والقرآن، والدعاء، والذِّكر، وستجدين مع الأيام أن قلبك صار أهدأ، ونفسك أصفى، ووجهك أنور.

 

وختامًا -يا أختي- كلنا نخطئ، وكلنا زلَّت أقدامنا في وحل الذنوب يومًا، ولكن السعيد هو من عاد سريعًا، واستيقظ من غفلته، وطرق باب التوبة، ولم ييأس.

 

تذكَّري دائمًا أن الله لا يريد أن يعذّبك؛ بل يريد أن يغفر لك، ويطهّرك، ويقرّبك. قال سبحانه: ﴿مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ، وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147].

 

أسأل الله العظيم أن يرزقك توبة نصوحًا، ويجعلها بداية حياة جديدة مشرقة بالإيمان، وأن يطهّر قلبك من الحزن، ويغمرك برحمته ورضاه.

 

وتذكَّري: التائب حبيب الرحمن، فلا تُحمِّلي ذنبك أكثر مما يحتمل، ولا تعيشي في جلد النفس؛ بل في تصحيحها وتقويمها، والبدء من جديد.

 

لكِ دعواتنا بظهر الغيب، أن يشرح الله صدرك، ويغفر ذنبك، ويجعل ما مررتِ به سببًا في رفع درجاتك في الدنيا والآخرة.

الرابط المختصر :