الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
55 - رقم الاستشارة : 1406
23/03/2025
أنا شاب أعيش في بيئة يغلب عليها حب الدنيا والانشغال بملذاتها، حيث يتسابق من حولي على تحقيق النجاحات الدنيوية من مالٍ وجاهٍ وترفيه، حتى أصبح هذا هو المعيار الأساسي للتقدير والاحترام في محيطي.
ومع أنني أحاول التمسك بديني، فإنني أجد نفسي أحيانًا أنجرف مع هذا التيار، فتضعف همتي وتقل محاسبتي لنفسي، وأشعر أن قلبي يزداد تعلقًا بالماديات على حساب علاقتي بالله.
كيف يمكنني أن أرسخ الإيمان في قلبي، وأجعل علاقتي بالله أقوى من تأثير هذه المغريات؟ وما هي الوسائل العملية التي تساعدني على تحقيق ذلك في وسط هذه البيئة؟
أهلًا وسهلًا بك أخي الكريم، وأشكرك على ثقتك بنا، ونسأل الله أن يرزقك الثبات على الحق، ويملأ قلبك بنور الإيمان، ويعينك على تجاوز فتن الدنيا وزخارفها، وبعد...
فلا شك أن العيش في بيئة يغلب عليها حب الدنيا والتفكير المادي قد يكون ابتلاءً عظيمًا؛ حيث تتسابق النفوس لجمع المال وتحقيق الجاه والرفاهية الزائدة، حتى يصبح معيار النجاح محصورًا في هذه الأمور المادية. وهذا الصراع ليس بجديد؛ بل هو من طبيعة النفس البشرية التي تميل إلى الدنيا، كما قال الله تعالى: ﴿وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبًّۭا جَمًّۭا﴾ [الفجر: 20].
لكن مع ذلك، جعل الله في قلب المؤمن نورًا، يدفعه إلى السمو بروحه والتعلق به سبحانه، حتى لا يكون أسيرًا لمغريات الدنيا.
كيف ترسِّخ الإيمان في قلبك؟
1- تعميق المعرفة بالله والتفكر في آياته:
إن أعظم ما يرسّخ الإيمان في القلب هو معرفة الله حق المعرفة، فكلما ازددت علمًا بصفات الله وأسمائه، ازداد قلبك حبًّا له وتعلقًا به. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰؤُا﴾ [فاطر: 28].
ومن طرق معرفة الله:
- التفكر في خلقه وآياته الكونية.
- تدبر أسمائه الحسنى وصفاته.
- قراءة سير الأنبياء والصالحين الذين جعلوا الله غايتهم الأولى.
2- صحبة الصالحين الذين يعينونك على الثبات:
إن البيئة تؤثر بشكل كبير على القلب، فإذا لم تجد في محيطك من يذكِّرك بالله، فابحث عن مجالس الإيمان والذكر، سواء في المساجد أو عبر الدروس الشرعية، وقد قال الله عز وجل: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28]. وقد قال النبي ﷺ: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني].
3- محاسبة النفس وتجديد النية باستمرار:
في ظل الحياة المادية المتسارعة، قد يغفل الإنسان عن هدفه الأساسي؛ لذلك من الضروري أن تكون لك وقفات صادقة مع نفسك، تراجع فيها نيتك وقلبك وأعمالك. روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم».
4- الإكثار من ذكر الله:
الذكر حياة للقلب، فمن تعوّد على ذكر الله لن يجد قلبه مرتاحًا إلا بالقرب منه. قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
ومن الأذكار التي تزيد الإيمان:
- الاستغفار بصيغه المتعددة.
- الصلاة على النبي ﷺ.
- ترديد «لا إله إلا الله» بقلب حاضر.
5- التوازن بين متطلبات الدنيا والعمل للآخرة:
لا يعني الابتعاد عن فتنة الدنيا أن نرفض كل ملذاتها، ولكن أن نجعلها وسيلة وليست غاية. كان النبي ﷺ يعمل ويكسب، لكنه لم يجعل الدنيا أكبر همه، بل كان قلبه معلقًا بالآخرة، مصداقًا لقول الله عز وجل: ﴿وابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: 77]. وقال ﷺ: «ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راح وتركها» [رواه الترمذي وابن ماجة].
6- التفكر في حقيقة الدنيا وزوالها:
تذكّر دائمًا أن كل ما تراه من مالٍ وجاهٍ هو زائل، ولن يبقى إلا العمل الصالح، قال الله تعالى: ﴿وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]. وكان الحسن البصري يقول: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك». فاجعل كل يوم يمر عليك خطوةً نحو نعيم الآخرة.
وسائل عملية تعينك على الثبات في هذه البيئة:
- المحافظة على ورد القرآن والتدبر.
- المشاركة في أعمال الخير المتعددة.
- تقليل التعرض للإعلام والمواقع التي تثير حب الدنيا.
- التحكم في المشتريات وعدم الانجراف وراء المظاهر.
- كتابة أهداف إيمانية واضحة والعمل على تحقيقها.
وختامًا -أخي الكريم- أنت في اختبار عظيم، ولكن ثباتك وسط هذه الفتنة سيجعل لك أجرًا أعظم، قال النبي ﷺ: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء» [رواه مسلم].
نسأل الله أن يملأ قلبك يقينًا، ويرزقك الثبات على الحق، ويجعل حب الله أقوى في قلبك من كل شيء آخر. آمين.