الإستشارة - المستشار : د. عادل عبد الله هندي
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
56 - رقم الاستشارة : 1421
24/03/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا شاب جامعي، أحب ديني، وأحرص على الصلاة، وقراءة القرآن، وأشعر بخشوع شديد أحيانًا لدرجة البكاء عند سماع آيات الله، لكني أواجه مشكلة خطيرة تؤلمني كثيرًا. أجد نفسـي في بعض الأوقات، خاصة في الليل، أفتح هاتفي وأشاهد المقاطع الإباحية، وأستمر في ذلك حتى أنام. ثم أستيقظ في الصباح نادمًا، وأشعر بالحزن والأسى، وأقول لنفسـي: لماذا فعلت هذا؟ كنت أستطيع أن أصبر وأبتعد، لكني ضعفت! ثم أعود إلى صلاتي وقراءة القرآن وأزداد بكاءً وخشوعًا، لكني سرعان ما أقع في المعصية مرة أخرى، وهكذا في دائرة مغلقة.
أنا لست بعيدًا عن الله، ولا أريد أن أكون منافقًا، لكني عاجز عن ترك هذه العادة السيئة. فكيف أتخلص منها؟ وهل هناك وسائل عملية تحميني من الوقوع في هذا الذنب؟ أرجو نصحكم وتوجيهكم، فالأمر يؤلمني بشدة. فأرشدوني رجاء، وجزاكم الله خيرًا.
أولا: أحمد الله تعالى أن أرشدك للاستشارة أخي الشاب الحبيب، وكم أشعر بك وبألمك؛ سيما وهذا أمر واقع في حياة كثير من شبابنا، فلست وحدك، وهو أمر له أسبابه على كل حال!
واعلم بأن مشكلتك ليست نادرة؛ بل يعاني منها الكثير من الشباب في هذا العصـر الذي أصبح الوصول فيه إلى المحرمات أسهل من أي وقت مضـى. لكن تذكّر أن وجود الصـراع في داخلك بين حب الله وندمك بعد الذنب هو دليل على أن قلبك لا يزال حيًّا، وفيك الخير، وأنك لم تستسلم بعد. وهذه خطوة عظيمة، فالخطورة ليست في السقوط، ولكن في عدم المحاولة للنهوض.
ثانيًا: لماذا هذه المقاطع خطيرة عليك؟
إليك الآتي:
1) الخطر الديني والإيماني، ويتمثل ذلك في: النظر إلى المحرمات يضعف القلب، ويقلل نوره، ويجعل الإنسان يشعر بثقل في الطاعات، وقد قال النبي ﷺ: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه»، فمع استمرار المشاهدة، تبدأ الطاعة تصبح عادة سطحية لا تؤثر في القلب كما كانت من قبل.
2) الخطر النفسـي والعقلي، ويتمثل في: الإدمان على هذه المشاهد والذي يؤثر بطبيعة الحال على تركيزك وإنتاجيتك، ويجعلك مشتت الذهن، كما يؤدي إلى الإحساس بالذنب المستمر، مما يسبب الاكتئاب وانخفاض تقدير الذات، فضلا عن كونه يزيد من العزلة والانطواء، حيث يصبح الشاب منشغلًا بعالم افتراضي وهمي بدلًا من التفاعل الحقيقي مع الناس.
3) الخطر الجسدي والصحي: حيث تؤدي هذه المشاهد إلى زيادة إفراز هرمونات الإثارة بطريقة غير طبيعية، مما يسبب ضعف التركيز والتعب، وعلى المدى البعيد، تؤدي إلى الإدمان الجنسي، مما قد يؤثر على الحياة الزوجية مستقبلًا، واعلم بأن ذلك يُضعف طاقة الإنسان وتجعله خاملًا وكسولًا عن أداء الواجبات اليومية.
ثالثًا: كيف تتخلص من هذه العادة؟
إليك وإلى المبتلين بهذا البلاء روشتة علاجية عملية على النحو التالي:
1) أغلق أبواب الفتنة تمامًا: احذف كل التطبيقات والمواقع التي توصلك إلى هذه المواد، استخدم برامج حجب المواقع الإباحية مثل K9 Web Protection أو Covenant Eyes. ولا تبقَ بمفردك في الليل، وحاول أن تنام مبكرًا لتجنب أوقات الضعف.
2) غيّر عاداتك قبل النوم: لا تنم والهاتف بجوارك، بل ضعه بعيدًا عن متناول يدك، اقرأ القرآن أو استمع إليه قبل النوم، اجعل آخر كلماتك قبل النوم دعاءً واستغفارًا.
3) حافظ على قلبك منشغلًا بالخير: فاشغل وقت فراغك بأشياء مفيدة، مثل حضور دروس علمية، أو الاشتراك في أنشطة تطوعية، وَمَارِس الرياضة؛ لأن الطاقة الزائدة بدون تصـريف صحي تؤدي إلى التفكير في الشهوات، ولا تنس أن تضع لنفسك أهدافًا كبيرة، وابدأ في تحقيقها، فهذا يشغلك عن التفكير في هذه الأمور.
4) استعن بالله بالدعاء والصحبة الصالحة المعينة، وأكثر من قول "اللهم طهّر قلبي، واحفظني من الحرام، وأبدلني خيرًا منه"، كن قريبًا من صحبة صالحة تعينك على ترك هذه العادة، وتجنب الوحدة والعزلة؛ لأن الشيطان يستغلها ليضعف إرادتك.
5) اجعل التوبة صادقة، ولا تيأس من رحمة الله: فكلما وقعت في الذنب، لا تقل "لقد فشلت"، بل عد إلى الله فورًا، ولا تنس قول النبي ﷺ: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، وليس معنى ذلك أن تعتاد الأخطاء وتألفها وتبررها، وثق أن الله يحبك ويريد لك الخير، وهو أرحم من أن يتركك وحدك في هذه المعركة، وانظر كيف راسلتنا واستشرتنا، ألا يدل ذلك على أنه يحبك ويساعدك لتقلع عن الذنب.
رابعًا: متى تشعر بالنصر الحقيقي؟
* عندما تجد نفسك تستغني عن هذه المقاطع ولا تفكر فيها كما كنت من قبل.
* عندما تشعر أن قلبك أصبح أكثر تعلقًا بالله بدلًا من الشهوة.
* عندما تبدأ في مساعدة الآخرين على التخلص من هذه العادة؛ لأنك جربت الألم وتريد لهم النجاة.
وتذكّــــــر أيها الشاب الحبيب الغالي:
* أنت أقوى من الشهوة؛ لأن الله خلقك إنسانًا عاقلًا له إرادة، وليس مجرد جسد تحركه الغرائز.
* كل لحظة تبتعد فيها عن هذه العادة هي انتصار يقرّبك إلى الله ويزيدك قوة.
* لا تستسلم أبدًا، فالله يعلم جهادك، وسيعينك على التخلص من هذا البلاء.
وكلمة أخيرة إليك:
أخي الحبيب، اعزم الآن على التغيير، ولا تؤجل، فكل يوم تقضيه في هذا الطريق يزيدك ضعفًا. ضع يدك على قلبك وادعُ الله بصدق، وابدأ في تنفيذ الخطوات الآن، وستجد الراحة والسعادة تغمرك قريبًا بإذن الله.
وأسأل الله تعالى -ختامًا- أن يُلهم الرُّشد والرشاد، والهداية والإرشاد، والعطاء والإمداد، والتوفيق والسداد، اللهم طهّر قلوب شباب المسلمين، واهدِهم إلى ما تحب وترضى، واحفظهم من كل فتنة يارب العالمين.