الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
60 - رقم الاستشارة : 1581
11/04/2025
أحس دايم إن علاقتي بالله تتأثر بشكل كبير بظروفي الحياتية، سواء في البيت أو في الشغل. يعني إذا مريت بأزمة أو ضيقة نفس، ألاقي نفسي أؤدي العبادات بصعوبة، بدون روح، ولا خشوع، وأحيانًا أضعف وأرجع لذنوب كنت تاركها من زمان. وأقعد على هالحال فترة، لين ربي يفرّجها وتتحسّن أموري، وقتها أحس إني رجعت شوي لحالتي الإيمانية الطيبة.
اللي مضايقني إني كل ما وقعت في ظرف صعب ألاقي نفسي أتراجع، وهذا الشي يخليني أشك في قوة إيماني، وأخاف من سوء الخاتمة.
وش الحل؟ كيف أقدر أكون ثابت حتى وقت الضيق؟
وكيف أقدر أخلّي علاقتي بربي ما تتأثر بتقلب الظروف؟
مرحبًا بك أيها السائل الكريم، وشكرًا جزيلًا لك على تواصلك معنا، وثقتك التي نعتز بها، ونسأل الله أن يجعل هذا السؤال في ميزان حسناتك، وأن يشرح صدرك، ويزيل همك، ويقويك في إيمانك، ويثبتك على طاعته حتى تلقاه راضيًا مرضيًّا، وبعد...
فحين يبوح قلب مؤمن بهمِّه، ويكشف عن صراعه في وقت الشدة، فتلك علامة على حياة هذا القلب لا موته!
سؤالك أيها الطيِّب يمسُّ أوتارًا دقيقة في النفس، تلك اللحظات التي نضعف فيها، فنشعر بالبعد عن الله، ونشتاق في الوقت ذاته للقرب منه. وهذا في حدِّ ذاته دليل على أنك على خير، وأن الإيمان في داخلك حاضر، وإن خفَتَ نوره أحيانًا، فالنور لا يزول، بل قد يُحجَب مؤقتًا بسُحب الهم والابتلاء.
لماذا يتأثر إيماننا بالظروف؟
إن الإنسان مخلوق ضعيف، يتقلَّب حاله سريعًا بين اليسر والعسر، بين الأمل والخوف، بين الإقبال والإدبار، قال الله تعالى: ﴿خُلِقَ الإنسانُ من عَجَل﴾ [الأنبياء: 37]، وقال: ﴿ كلَّا إنَّ الإنسَانَ لَيَطغَى * أنْ رآهُ استَغْنَى﴾ [العلق: 6 و7]، وقال: ﴿وإذا مسَّ الإنسانَ الضرُّ دَعَانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلمَّا كَشَفنا عنه ضُرَّه مَرَّ كأنْ لَمْ يدْعُنا إلى ضُرٍّ مَسَّه﴾ [يونس: 12].
هذه الطبيعة البشرية تجعلنا نحتاج دائمًا إلى تزكية مستمرة للنفس، وإلا فالقلب يتقلب، كما في الحديث: «إنما سُمِّي القلبُ من تقلُّبه، إنما مَثَلُ القلبِ كمَثَلِ ريشةٍ في فلاةٍ، تعلِّقُها الريحُ فتُقلِّبها» [رواه أحمد].
كيف نفهم هذا التراجع الإيماني؟
ما ذكرته من فتور في الطاعات وقت الشدة، ليس علامة على ضَعف مطلق في الإيمان، بل هو تعبير عن ألم داخلي يبحث عن التوازن. الإنسان حين يضيق عليه خناق الدنيا وظروفها، يضيق صدره، ويثقل عليه كل شيء، حتى العبادة! ومع ذلك، فإن رجوعك بعدها لله، وشعورك بالذنب على ما حصل، هو من علامات الصدق.
فلا تحسب ضعفك وقت الضيق خذلانًا إلهيًّا، بل قد يكون هو عين التربية الربانية، قال تعالى: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
كيف نثبت وقت الضيق؟
للثبات في أوقات الفتنة والضعف، إليك هذه الوصايا:
1- الصدق مع الله
الصدق هو سر الثبات. قال الله: ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ [محمد: 21]. فكلما صدقت وأخلصت في نيتك، ولو ضعفت جوارحك، فإن الله يثبِّتك بما لا تدري.
2- المحافظة على أوراد ثابتة من العبادات
اجعل لك أذكارًا، آياتٍ، دعاءً، صلاةَ ركعتين في جوف الليل، ولو يسيرًا؛ لكن لا تقطعها مهما ضاقت نفسك. قال ﷺ: «أحبُّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلّ» [متفق عليه].
3- فتش عن صحبة صالحة
القلوب تتقوّى بعضها ببعض، والمؤمن مرآة أخيه. فلا تكن وحيدًا في الشدائد. الجأ لمن يذكّرك بالله ويشدُّك إليه، قال تعالى: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
4- كثرة الاستغفار:
الاستغفار يفتح أبواب الطمأنينة، ويزيح عن القلب كدر الذنوب، وهو دواء ناجع، قال نوح عليه السلام لقومه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * ويُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ ويَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ ويَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10- 12].
5- الدعاء بالثبات:
فقد كان من أكثر دعاء النبي ﷺ: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» [رواه الترمذي]. فإن كان النبي ﷺ بذاته يدعو بالثبات، فنحن أحوج!
6- لا تخف سوء الخاتمة بل خَف على قلبك حيًّا:
سوء الخاتمة لا يصيب من يخاف الله، ويخشى المعصية، ويتوب، ويحرص على الطاعة، مهما تكرر السقوط. سوء الخاتمة يصيب من أعرض بقلبه، وأصر على المعصية دون توبة.
أما من يتألم لتقصيره، ويبكي خوفًا، ويرجو الرحمة، فالله أرحم به من نفسه. قال ﷺ: «من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه» [متفق عليه]، وقال: «يُبعث كل عبد على ما مات عليه» [رواه مسلم]، فاجعل آخر عهدك دومًا بتوبة، ولو ضعفت بعدها، فإن الله يحب التوابين.
وختامًا -أيها المبارك- لا تقسُ على نفسك أكثر مما تحتمل. يكفيك فخرًا أن لك قلبًا يُنكر التراجع، ويسأل عن الثبات، ويخشى سوء الخاتمة، ويريد القرب من الله. إنها مشاعر عظيمة لا يهبها الله إلا لأوليائه الصادقين. والله -عز وجل- لا يخيِّب عبدًا طرق بابه باكيًا؛ بل وعد وعدًا كريمًا فقال: ﴿إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30].
فاثبُت، واستعن، وداوِ قلبك بذكر الله، وتذكَّر أن كل لحظة ألم تمر بها إنما هي جسر لرحمة قادمة، ونور أعظم، وفرج يُنسيك ما مضى.
أسأل الله أن يشرح صدرك، ويبدِّل ضعفك قوة، ويجعل ما أصابك كفَّارة ورحمة، ويرزقك حسن الخاتمة، وثبات القلب، وتابعنا بأخبارك.