Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 61
  • رقم الاستشارة : 1234
09/03/2025

أنا رجل تعرضت لظلم معنوي شديد من أحد الأشخاص، حيث تسبب لي في حرج بالغ وألم نفسي كبير، ولم يكتفِ بذلك، بل لا يزال مستمرًا في ظلمه لي دون أي ندم أو تراجع. أشعر بغصة في قلبي وألم لا يفارقني، مما دفعني إلى الدعاء عليه في رمضان وفي أوقات الإجابة والسجود بدعاء شديد، كأن يصب الله عليه البلاء صبًّا، وأن يعمي بصره ويشل يده، حتى يشفى صدري مما أجد. حاولت أن أعفو وأسامح، لكني لا أستطيع، فالألم والظلم ما زالا حاضرين في نفسي. فهل يحق لي هذا الدعاء شرعًا؟ وهل يمكنني أن أجد وسيلة أخرى تداوي قلبي وتريح نفسي إلى جانب الدعاء؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 09/03/2025

أخي الكريم، أسأل الله أن يفرّج همّك، وينصرك على من ظلمك، ويملأ قلبك سكينة ورضًا، وأن يعوّضك خيرًا مما أخذ منك، ويشفي جراحك بمنّه وكرمه، وبعد...

 

فإن الظلم من أشد ما يؤلم النفس ويكدر صفو الحياة، وقد حرمه الله عز وجل على نفسه قبل أن يحرمه على عباده، فقال في الحديث القدسي: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا» [رواه مسلم]. وهو مما تستجاب فيه الدعوات، فقد قال النبي ﷺ: «اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تُحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» [رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني].

 

حكم الدعاء على الظالم

 

أما عن دعائك على من ظلمك، فهو أمر أباحه الله للمظلوم ولم يحرّمه، بل جعله من صور الانتصاف، قال تعالى: ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: 148]. فالإنسان إذا أصابه ظلم وأراد أن يدعو على ظالمه، فله ذلك، وهو من صور استرجاع الحق إذا لم يجد سبيلًا آخر.

 

ولكن ينبغي هنا التفكر في طبيعة الدعاء، فقد كان النبي ﷺ رغم ما لاقاه من أذى لا يدعو على أحد إلا نادرًا، وكان يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» [رواه البخاري]. وكان مما ورد في هديه أنه قال: «من دعا على ظالمه فقد انتصف» [رواه أبو داود وحسَّنه الألباني]، ولكن إن صبر وغفر كان ذلك أعظم أجرًا وأعظم أثرًا على النفس.

 

هل الدعاء بعقوبة شديدة جائز؟

 

إن الدعاء على الظالم أمر مشروع كما ذكرنا، لكنه ينبغي أن يكون في حدود العدل؛ فالمبالغة في الدعاء بعقوبات مهلكة قد تكون ظلمًا آخر، والله تعالى يقول: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: 126]. فالعدل مطلوب حتى في الدعاء.

 

والمؤمن مأمور بأن يطلب من الله أن يأخذ حقه بالحكمة والرحمة، لا أن يتحول الانتقام إلى سبب لشحناء القلب وضيق الصدر؛ لأن الدعاء الشديد قد يعود بالسوء على الداعي نفسه من حيث لا يشعر؛ إذ إن النفس قد تعتاد الكره والحقد، فتعيش في ألم دائم لا يزول حتى بعد عقوبة الظالم.

 

كيف تداوي قلبك إلى جانب الدعاء؟

 

إذا كنت غير قادر على العفو، وهذا أمر مفهوم بسبب الألم الكبير، فإليك بعض الطرق التي تعينك على الشفاء النفسي والروحي:

 

1. الاحتساب عند الله: تذكّر أن الله لا يضيع حق أحد، قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7].

 

2. الدعاء بالهداية بدل العقوبة: قد يكون من الخير لك ولراحة قلبك أن تدعو له بالهداية والعدل بدلًا من العقوبة، فهذا ما فعله الأنبياء مع أقوامهم.

 

3. الإكثار من الاستغفار: فإن الاستغفار يريح القلب ويمحو أثر الحقد، قال النبي ﷺ: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا» [رواه أبو داود وصححه الألباني].

 

4. الانشغال بما ينفعك: ركّز على حياتك، ونمِّ نفسك، واسعَ للنجاح؛ فالنصر الحقيقي هو أن تعيش سعيدًا بعيدًا عن همِّ الظلم.

 

5. اللجوء إلى القضاء أو الصلح: إن كان الظلم واقعًا ومستمرًا، فحاول أن تسترد حقك بالطرق المشروعة، وإن أمكن التصالح بحل عادل، فهذا أفضل من حمل الألم في قلبك.

 

وختامًا أخي الكريم، ثق بأن الله معك، وهو أعدل العادلين، ولن يترك حقك يضيع، فإن استطعت أن تسامح، فهو خير، وإن لم تستطع، فلا تدعُ بأكثر من حقك، وكن على يقين بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فاصبر واحتسب، وثق بعدالة الله، وستجد الراحة والطمأنينة بإذن الله.

 

أسأل الله أن يجبر قلبك، ويرد لك حقك، ويعينك على ما أصابك، ويجعلك من عباده الصالحين الذين يفوضون أمرهم إليه، وهو خير الحاكمين.