Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 104
  • رقم الاستشارة : 1490
02/04/2025

كيف يمكن تعلم كيفية دفاع الشخص عن آرائه وأفكاره من خلال بناء الحجج القوية المنطقية؟ وهل يمكن تعلم الجدل؟

الإجابة 02/04/2025

الدفاع عن الأفكار، والقدرة على الجدل، جزء منه موهبة يمنحها الله لمن يشاء، وجزء آخر مهاري، مكتسب من خلال التعلم والتدريب.

 

تعلم الجدل وبناء الحجج المنطقية القوية ضرورة للعمل الفكري والدعوي الإسلامي، ومن مستلزمات البلاغ المبين، وإقناع الناس بحقيقة الدين وعظمته وحاجته البشر إليه.

 

ولكن قبل تقديم النصائح لبناء حجة قوية، من المهم تعريف معنى الحجة؛ فالحجج القوية ادعاءات أو تأكيدات مدعومة بأدلة دامغة، واستدلال منطقي، وبلاغة مقنعة.

 

تتميز الحجج القوية بقدرتها على الصمود أمام النقاش والنقض، وقدرتها على إثبات صحتها أو تقديم تفسير معين بفعالية وكفاءة وإقناع، وبناء حُجة قوية يشبه الدرع والسيف، فهي تحقق الحماية، وتستطيع من خلال الحجة القوية توجيه ضربات قوية لأفكار الخصم وحججه وادعاءاته.

 

أما الحُجة فهي "مجموعة من العبارات أو الافتراضات المطروحة لدعم أو تبرير ادعاء أو وجهة نظر معينة. وخلافًا لمعناها العامي الذي يوحي بالمواجهة أو الاختلاف، فإن الحجة بهذا المعنى هي عرض منظم ومنطقي للأدلة والمنطق يهدف إلى إقناع الآخرين بصحة موقف ما".

 

نصائح لبناء حجة قوية

 

وضوح الغاية: هناك الكثير من الأفكار التي تساهم في إمداد الشخص بمهارة الجدل قديمًا وحديثًا، منذ السوفسطائيين أو الفلاسفة المعلمين في اليونان في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، الذين كانوا يجوبون البلاد لتعليم طلابهم مهارات الجدال والقدرة على إقناع الناس.

 

يقول يوسف كرم في كتابه "تاريخ الفلسفة اليونانية": "إن السوفسطائيين كانوا مجادلين مغالطين وكانوا متجرين بالعلم، أما الجدل فقد وقفوا عليه جهدهم كله، خرجوا من مختلف المدارس الفلسفية لا يرمون لغير تخريج تلاميذ يحذقونه، وكانوا يفاخرون بتأييد القول الواحد ونقيضه على السواء، وبإيراد الحجج الخلابة في مختلف المسائل والمواقف، ومن كانت هذه غايته فهو لا يبحث عن الحقيقة، بل عن وسائل الإقناع والتأثير الخطابي".

 

ثم يمسك الكتاب بحقيقة اقتصار الجدل على الجدل فقط ووسائل التغلب المنطقية على الخصم حتى ولو كانت القضية مغلوطة، فيقول: "ولم يكن ليتم لهم غرضهم بغير النظر في الألفاظ ودلالاتها، والقضايا وأنواعها، والحجج وشروطها، والمغالطة وأساليبها، أما سائر العلوم فكانوا يلمون بها إلمامًا يساعدهم على استنباط الحجج والمغالطات وعلى التظاهر بالعلم"، وكما ينبه الأديب نجيب محفوظ إلى أن "الجدل مهنة العاجزين عن الخلق" فعندما يقتصر الجدل على الكلام، يتحول إلى مفسدة وعجز، وتصبح طلاقة اللسان أكبر من طاقة الفعل.

 

تحرير النية والقصد: الإسلام ربط الجدل بالغاية والنية والقصد، ولم يحتف بالبراعة بالجدل إذا انفصلت عن الغاية، أو ضلت النية عن الحق والإخلاص لله تعالى.

 

وردت مادة "جدل" في القرآن الكريم في (29) موضعًا بصيغها المختلفة، وفي كتابه "تاريخ الجدل في الإسلام" يورد الشيخ محمد أبو زهرة نصًّا مهمًّا يكشف عن خشية العلماء من حظ النفس أثناء الجدل، وتحريهم لأن يكون الجدال خالصًا لوجه الله تعالى، وهي ميزة في الحضارة الإسلامية تكشف عن الحضور الدائم للقيمة والمعنى في المنجز الحضاري، حتى ولو كان هذا المنجز في الجدل والنقاش، يقول الكتاب: "قال أبو حيان التوحيدي: سمعت أبا حامد (الغزالي) يقول لظاهر العبادلي: ولا تعلق كثيرًا لما تسمع مني في مجلس الجدل، فإن الكلام يجري فيه على ختل الخصم ومغالطته، ودفعه ومغالبته، فلسنا نتكلم لوجه الله خالصًا، ولو أردنا ذلك لكان خطونا إلى الصمت أسرع من تطاولنا في الكلام، وإن كنا في كثير من هذا نبوء بغضب الله تعالى، فإننا مع ذلك نطمع في سعة رحمة الله تعالى". (والختل هو الخداع عن غفلة).

 

- الفرضية أو الادعاء: لا بد من وجود فرضية يسعى الجدل لإثباتها أو نفيها، وغياب الفرضية أو الادعاء يجعل بناء الحجة ضعيفًا .

 

- الأدلـــة: حضور الدليل ضرورة لتدعيم الفكرة والرأي، ويمكن أن يتخذ أشكالًا متنوعة، بما في ذلك البيانات التجريبية، والإحصاءات، وآراء الخبراء، والأمثلة، والحكايات.

 

- القـدرة على الاستدلال: الاستدلال هو إرساء مقدمات يٌفترض أنها صحيحة والسعي لاستخلاص استنتاجات منطقية منها لدعم الادعاء، والاستدلال كما تعرفه اللغة بأنه "نَصْبُ الحجَّة والإتيان بالبيِّنة والدَّليل".

 

اللـغة: اللغة ضرورة فهي وعاء نقل الأفكار، وغيابها يعني انتفاء الحجة، ويجب أن تمتلك الحجة قاموسًا لغويًّا قويًّا، وقريبًا من فهام الناس، ومتجنبًا للغموض، والألفاظ الغريبة أو الخادشة للحياء أو السب والشتم.

 

يؤكد العلامة "ابن حبنكة الميداني" في كتابه "أصول الاستدلال والمناظرة" بعدم لجوء المسلم في المناظرة إلى السب والشتم والهمز واللمز والسخرية والفحش والبذاءة؛ فالصراخ أو الشتم ليسا وسيلة مُثلى للجدال، وكانت نصيحة "جلال الدين الرومي": "ارفعوا كلماتكم لا صوتكم، إن المطر هو الذي ينبت الأزهار وليس الرعد".

 

- الابتعاد عن الغرور: فالغرور يغلق العقل والسمع عن سماع الحجج الأخرى ونقضها، ويجعل الشخص يتيه بآرائه ولا يفطن إلى موطن القوة في حجج الخصم، وبالتالي يخسر الجدال، في كتابه "لماذا يقوم الأذكياء بأشياء غبية"، يؤكد الصحفي "ديفيد روبسون" أن الذكاء في بعض الأحيان قد يكون فخًّا أثناء النقاش، فيقع الشخص في أخطاء جسيمة، ومن نصائحه المهمة التواضع أثناء النقاش والاستعداد لفهم حجج الآخرين وأفكارهم.

 

- لا تكن أول من يبدأ الجدال: فلا بد أن تجعل الخصم هو من يبدأ بشرح أفكاره، ثم تأتي لتناقشها وتفندها وتعقب عليها، وتطرح أفكارك بعد الانتهاء من تلك المهمة، وربما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قصة موسى عليه السلام مع السحرة، فقد جعلهم هم من يبدءون بإلقاء الحبال والعصي؛ إذ لا يمكن مناقشة شخص ما بدقة دون فهم أفكاره، وماهية حججه، كما أن ما يتبقى في ذهن الناس هو الكلام الأخير وليس من يبدأ الحديث.

 

- الاعتماد على لغة الجسد: المفتاح في هذه النصيحة أن تبدو طبيعيًّا، وألا تفعل أشياء يبدو منها أنك تسخر من خصمك، وأن تحقق اتصالاً من خلال العين مع خصمك في النقاش، وتشير دراسات علم النفس إلى أن الحرص على التواصل البصري "يجعل الخصم أقل إقناعًا"، وأحيانًا تكون لغة الجسد أقوى من الكلمات.

الرابط المختصر :