الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
55 - رقم الاستشارة : 1760
27/04/2025
ما هي أبرز انتقادات الفكر الإسلامي الحديث للمادية؟
شكّلت المادية بما تطرحه من أفكار وفلسفة ورؤية للإنسان والوجود، تحديًا للإنسان وأهل الأديان؛ نظرًا للمنجز العلمي والتكنولوجي الذي تزامن مع ظهور الفكر المادي، ومحاولات الماديين نسبة هذا المنجز إلى رؤاهم المعتمدة على الحواس في تحصيل المعرفة، وإنكارهم لكل ما هو غيبي.
ولعل هذه الرؤية المادية التي تنحي الغيب وتنحي كل ما هو روحاني كسبيل لتحصيل المعرفة، وترفض الاعتراف بالروح في التكوين الإنساني، وتنكر أن إدارك الغيب لا يأتي عبر الحواس، هو ما حفز الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر أن يشتبك مع المادية بتجلياتها المختلفة طيلة العقود الماضية.
وكان من أوائل الذين انتقدوا المادية هو شاعر الهند الكبير محمد إقبال، فرأى أن الفكر الغربي مبني على المادية الصرفة، تلك المادية التي جردت الإنسان من الجانب الروحي، فاعوجت حياته عوض أن تستقيم، لذا كان يصف العقل الغربي بأنه عقل تجريبي فاقد للقيم الروحية، وأنه لا فرق بين الشيوعية والرأسمالية لأنهما فرعان من دوحة واحدة هي المادية.
أما المفكر الإسلامي النمساوي محمد أسد فوجّه نقدًا جوهريًّا للحضارة الغربية أنها استغنت عن ربها بسبب ماديتها، يقول "أسد" :الحضارة الغربية لا تجحد الله في شدة وصراحة، ولكن ليس في نظامها الفكري موضع لله، ولا تعرف له فائدة، ولا تشعر إليه بحاجة"؛ فالمادية غاب عنها الإله، وغاب عنها الجانب الروحي في الإنسان فلم يتبق منه إلا الجسد أو الهيكل المادي.
أما المفكر البوسنوي علي عزت بيجوفيتش فوجّه انتقادات عميقة وجذرية للمادية، في كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب" وقال: إن (المادية تؤكد دائمًا ما هو مشترك بين الحيوان والإنسان، بينما يؤكد الدين على ما يفرّق بينهما، وأن بعض الطقوس الدينية والمحرمات الدينية يُقصد بها فقط التأكيد على هذه الاختلافات.. كأن الدين يقول: "انظر ماذا يفعل الحيوان وافعل عكسه؛ إنه يفترس فيجب أن تصوم، إنه يتسافد فيجب أن تتعفّف، إنه يعيش في قطيع فحاول أن تعيش متفردًا، إنه يسعى إلى اللذة ويهرب من الألم، فعليك أن تعرّض نفسك للمصاعب، باختصار: الحيوانات تعيش بأجسامها، فعليك أن تعيش بروحك").
لكن الذي حوّل الانتقادات إلى مشروع فكري وفلسفي لنقد المادية كان الدكتور "عبد الوهاب المسيري" سعى من خلاله لاكتشاف جذورها وحضورها في الفكر الغربي وتجلياتها في الحياة الإنسانية.
وقد نبّه المسيري إلى أن الفلسفة المادية حاضرة في كل شيء في العالم، حاضرة في الإنسان والطبيعة، وأنها لا تقبل سوى المادة، وترفض الغيب والإله تحديدًا كشرط من شروط الحياة، وكذلك ترفض الإنسان خاصة جانبه الروحي، وترى أن الطبيعة تحوي كل القوانين التي تتحكم فيها، وكل ما نحتاج إلى تفسيره موجود في المادة.
وحذر المسيري من أن العقل المادي تفكيكي عدمي غير قادر على إنتاج تفسيرات تتجاوز المادة لفهم الوجود، وبالتالي فالمادية تخلق العقل العاجز عن إدراك الوجود، وعند تلك النقطة تختفي المرجعيات الكبرى ومن بينها مرجعية الإنسان ذاته.
يقول المسيري: "المادية تفشل في تفسير إصرار الإنسان على أن يجد معنى في الكون ومركزًا له، وحينما لا يجد معنى له فإنه لا يستمر في الإنتاج المادي مثل الحيوان الأعجم، وإنما يتفسخ ويصبح عدميًّا ويتعاطى المخدرات وينتحر ويرتكب الجرائم دون سبب مادي واضح. وقضية المعنى تزداد حدة مع تزايد إشباع الجانب المادي في الإنسان، فكأن إنسانية الإنسان لصيقة بشيء آخر غير مادي".
ومن الانتقادات الأخرى كان انتقاد المعماري الشهير الدكتور المهندس حسن فتحي، فانتقد المادية وتأثيرها على النظام المعماري، ورأى أن المادية في إنشائها المعماري تحجب السماء عن الإنسان، وقال: "إن تغلب الناحية المادية التي تتسم بها الحضارة المعاصرة يعود إلى أن المواطن المعاصر أصبح يعيش معظم حياته في البيئة الحضرية التي صنعها المهندس الإنشائي، لا يقع بصره فيها إلا على الموجودات المادية، مما أضاع عليه فرص تفاعل ذكائه مع البيئة الطبيعية التي صنعها الله سبحانه وتعالى".
أما المفكر مالك بن نبي الذي اهتم بمشكلات الحضارة، فرأى أنه لا نجاح لأي أساس ثقافي أو معرفي وليد الفلسفة المادية المجردة، يقول مالك: "إن العلوم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم المادية فهذه تعتبر خطرًا في مجتمع ما زال الناس يجهلون فيه حقيقة أنفسهم أو يتجاهلونها ومعرفة إنسان الحضارة وإعداده أشق كثيرًا من صنع محرك أو تقنية متطور".