23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 98
  • رقم الاستشارة : 822
28/01/2025

ما هو علم الاستغراب؟ وهل دراسة الغرب مفيدة وتحتاج إلى إفراد علم خاص بها؟

الإجابة 28/01/2025

مصطلح الاستغراب أو "علم الاستغراب" من العلوم حديثة النشأة التي لم يمض عليها إلا قرابة أربعة عقود على الأكثر، لكن جذورها البعيدة تعود إلى بدايات الاتصال الثقافي والحضاري بين الشرق والغرب من خلال البعثات التعليمية التي أرسلها محمد علي باشا حاكم مصر إلى فرنسا في القرن التاسع عشر الميلادي، وكذلك أفكار المصلح خير الدين التونسي، ومن قبلهم رحلات المثقفين العرب والمسلمين إلى الغرب إبان الدولة العثمانية.

 

لكن "الاستغراب" باعتباره "علم معرفة الغرب" يمكن القول إنه ظهر كمصطلح وعلم، مع الدكتور حسن حنفي مع إصداره كتاب "مقدمة في علم الاستغراب" عام 1991م، الذي سعى لوضع تأسيس نظري لهذا العلم الجديد، محددًا هدفه دراسة الغرب وبناء قاعدة معرفية نقدية عن الغرب أفكاره وقيمه وتجربته التاريخية ومناهجه وفلسفاته ومنظماته ومجتمعه.

 

أما أهمية علم الاستغراب، فكما أشار الدكتور حسن حنفي، فإن مهمة هذا العلم: القضاء على المركزية الأوروبية، وبيان كيف أخذ الوعي الأوروبي مركز الصدارة عبر التاريخ الحديث داخل بيئته الحضارية الخاصة، ورد ثقافة الغرب إلى حدوده الطبيعية بعد أن انتشر خارج حدوده إبّان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على دور النشر الكبرى، ومراكز الأبحاث العلمية، والقضاء على أسطورة الثقافة العالمية التي يجعلها الغرب مرادفة لثقافته.

 

لكن المهمة الأكبر، كما يقول حنفي: "فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر الغربي بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس"؛ فالقضاء على الإحساس بالنقص أمام الغرب: لغة وثقافة وعلمًا ومذاهب ونظريات وآراء، يناهض الإحساس بالدونية في مواجهة الغرب".

 

والحقيقة أن الغرب لا يزال إشكالاً كبيرًا على المستوى الثقافي والحضاري والسياسي والديني، ويحتاج إلى فهم، وتفكيك تعقيداته المتشعبة، وبناء نموذج لإدراكه وفهم التعامل معه على أسس علمية، وربما يتيح علم الاستغراب بعضًا من تلك الإمكانية لفهم الغرب.

 

ونقطة البداية في فهم الغرب، أن الغرب ليس كتلة واحدة، ولكننا أمام أكثر من غرب، غرب شديد التنوع، يمتد تاريخه عمقًا إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، حيث الجذور الإغريقية اليونانية، كما أن الغرب-وفي وقتنا الراهن- ليس مكانًا جغرافيًّا فقط، ولكن الغرب هو أيضًا غرب ثقافي؛ فكثير من النخب في العالم يمكن أن نسميها بأنها نخب غربية في ثقافتها ورؤيتها، لكن الأهمية التي حازها الغرب عالميًّا ترجع إلى تقدمه الكبير وإنجازاته الحضارية منذ القرن الثامن عشر الميلادي، عندما بدأ الغرب يخرج مستعمرًا، ثم الهيمنة التي مارسها الغرب منذ مطلع القرن التاسع عشر، والتي لم تقتصر على الجغرافيا ولكن تعدتها للعقول والأفكار والقلوب والهويات.

 

ومن هنا فإن علم الاستغراب متنوع الغايات، ويمكن أن تراه حسب الأرضية الثقافية والمعرفية التي تنظر منها إلى الغرب، والاستغراب له أهداف معرفية ونقدية، ومنها نقد عقلية الاستتباع الفكري، فهو ليس استشراقًا مضادًا، بل تأسيس معرفي لفهم الحضارة الغربية وشخصيتها، وفكرها ونظمها، وطموحاتها، وتوجهاتها المستقبلية، وموقفها من الآخر.

 

والحقيقة أن المعرفة الجيدة عن الغرب تتيح الفرصة لمقاومة التيارات التغريبية داخل العالم الإسلامي، وإزاحة الغرب من الصدور والعقول؛ لذا يجب ألا يتم التعاطي مع علم الاستغراب بوصفه ترفًا فكريًّا، فهناك ضرورة للاهتمام بدراسة الغرب باعتباره ظاهره متغلغلة في التيارات التغريبية، فهناك نخب عربية وإسلامية تجسد الغرب تجسيدًا كاملاً، وتنتمي إليه أكثر من الانتماء إلى أصولها الشرقية.