Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 28
  • رقم الاستشارة : 1117
25/02/2025

أسمع كلمة الفلسفة العدمية عندما يتردد زيادة أعداد الانتحار.. فما هي الفلسفة العدمية وما هي أهم أفكارها؟

الإجابة 25/02/2025

العدمية من أخطر الفلسفات والأفكار التي عرفتها البشرية في القرون الأخيرة، فهي تنفي القيمة والمعنى عن كل شيء، وتجرد الإنسان من اليقين والإيمان، وتحرضه على التدمير وكفران كل شيء، وكما يقول المفكر عزت بيجوفيتش: "العدمية هي النتيجة المنطقية لضياع المرجعية وغياب المعنى الذي يدفع المرء للحياة"، فهي تتحدث عن شخص ضاعت بوصلته بعدما فقد المعنى عقب إعلانه موت الإله، عندها فقد الإنسان ذاته وتحول كما يقول بيجوفيتش إلى "إنسان محطم في عالم أصم أبكم صامت".

 

فلسفة مرعبة

 

وتصوري أن تلك الفلسفة لها أنصار كثيرون في العالم، وإن كانت الغالبية لا تعرف شيئًا عن تلك الفلسفة وروادها، نظرًا لتغلغل المادية في النفوس، تلك المادية التي نشرت اليأس والقنوط والانتحار، حيث تشير أرقام منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد حالات الانتحار في العالم تزيد على التسعمائة ألف في آخر إحصاء للعام الماضي.

 

من هنا فنحن أمام فلسفة خطرة، مرعبة يائسة ترغب في التدمير بما في ذلك تدمير الذات الإنسانية؛ فالجذر الذي ترتكز عليه تلك الفلسفة هو المقولة الباطلة "موت الإله" التي كتبها الفيلسوف الألماني "نيتشه" في كتابه "العلم المرح" في نهاية القرن التاسع عشر، فالعدمية ترى أن العالم كله، بما في ذلك وجود الإنسان، هو وجود عديم القيمة، وخالٍ من أي مضمون أو معنى حقيقي، وجود حافل باليأس، والقنوط.

 

العدمية لم تكن فلسفة عابرة في تاريخ أوروبا والغرب، ولكنها تحولت إلى روح يائسة قانطة تطبع الكثير من مظاهر الحياة الثقافية والفنية والفلسفية والاجتماعية، وكأن الإعلان الكذوب بـ"موت الإله" قد فرغ الإنسان من ذاته وتركه في العراء بلا يقين يستند إليه، أو إله يعتصم به، ولفت بيجوفيتش إلى قضية مهمة في هذا الشأن وهي أن "العدمية ليست إنكارًا للألوهية ولكنها احتجاج على غيابها، فهي إلحاد يائس، فشل في الوصول إلى القيمة، فأنكر وجودها".

 

والفلسفة العدمية هي الاعتقاد بأن كل القيم لا أساس لها من الصحة ولا يمكن معرفة أي شيء أو التواصل به. وكثيرًا ما ترتبط بالتشاؤم الشديد والشكوكية المتطرفة التي تدين الوجود، والعدمي الحقيقي لا يؤمن بأي شيء، ولا ولاءات له، ولا غرض له سوى الرغبة في التدمير.

 

وترتبط العدمية بـ"نيتشه"، وإن كانت جذورها أسبق نسبيًّا، حيث تم استخدام اللفظ في رواية "الآباء والأبناء" للروائي الروسي "إيفان تورغينيف" عام 1862م، وسرعان ما تحولت العدمية لتكون مرادفًا لحركة ثورية روسية رفضت الكنيسة والأسرة وسلطة الدولة، وتحولت تلك الحركة إلى التدمير والتخريب والفوضى، حتى صار مصطلح العدمي مرادفًا للإرهاب والاغتيال.. لكن نيتشه هو من أعطى للعدمية بناءها الفلسفي الرافض للمعنى والجاحد للألوهية والمنكر للقيم والمؤمن بالقوة كأداة للتدمير.

 

تتنوع أشكال العدمية، إلا أنها تكاد تتفق على بعض الأسس التي ترتكز عليها، منها: أن الوجود لا معنى له ولا فائدة، والحياة لا معنى لها، وأن لا توجد حقيقة صحيحة ولا فائدة من وجودها، وهذا سلخ العدمية من أي مبادئ أخلاقية أو قيمية.

 

ومن أهم الشخصيات التي أثرت في الفلسفة العدمية: الفيلسوف الألماني "فريدريش جاكوبي" (ت: 1819م) وهو أول من صاغ مصطلح العدمية، وإيفان تورجينيف (ت: 1883) وهو روسي، انتقل بالعدمية إلى المجال السياسي بعنفها وإرهابها، و"سورين كيركيجارد" (ت: 1855) وهو عالم لاهوت دنماركي، ومن رواد الفلسفة الوجودية، ثم نيتشه (ت: 1900)، ثم "ألبير كامو (ت: 1960) وهو فيلسوف فرنسي وجودي، (والوجودية اتجاه فلسفي إلحادي يبالغ في قيمة الإنسان، مؤكدًا على تفرده، وأن الإنسان صاحب تفکير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى الخالق).

 

ونحن عندما نتحدث عن العدمية، لا بد أن نستحضر "الخوف الوجودي"، ذلك القلق الناجم عن تساؤل الإنسان عن المعنى والغاية ثم مصيره بعد الموت، فهذا الخوف مرتبط بالعدمية نظرًا لأنه استجابة لتلك الفلسفة، لكثافة أسئلتها حول معنى الوجود.