Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. مصطفى عاشور
  • القسم : فكرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 102
  • رقم الاستشارة : 1430
25/03/2025

لماذا تحقق البوذية انتشارًا في الغرب، هل حديثها عن معرفة النفس يجذب الغربيين لاعتناق تلك الديانة؟

الإجابة 25/03/2025

الحديث في هذه الاستشارة عن البوذية وجاذبيتها في الغرب، ذلك المجتمع الذي يعاني من أزمة معنى وأزمة روحية، فسعت البوذية لرسم طريق طمأنينة لهذا الإنسان القلق من خلال تعرفه بنفسه.

 

ربما كان هذا المدخل ذا أهمية في الفكر الإسلامي، للسعي لفهم الأزمات الروحية للإنسان المعاصر خاصة الغربي، وإعادة تقديم الإسلام للناس، بما يُنهي أزماتهم، وينير لهم طريقًا للخلاص في الدنيا والآخرة.

 

البوذية والانتشار في الغرب

 

البوذية تحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد الأتباع عالميًّا، وتحظى بانتشار متزايد في الغرب لتوافُقها مع العلمانية، رغم أن نشأتها الأساسية كانت في شمالي الهند في القرن السادس قبل الميلاد.

 

هناك اختلاف حول هل البوذية دين، أم فلسفة؟ فعدم إيمانها بوجود خالق يبعدها عن مفهوم الدين، ومع ذلك فهي تؤمن بوجود عدد هائل من الآلهة، أما تعاليمها فترتكز على فكرة المعاناة باعتبارها ضرورة لفهم الحياة الإنسانية، وهي ملازمة للإنسان من الميلاد حتى الوفاة.

 

يقدم كتاب "البوذية: مقدمة قصيرة جدًّا" لمؤلفه "دميان كيوان" بعض الحقائق عن انتشار "البوذية" في الغرب، حيث افتتح البوذيون مدارس للتأمل، على اعتبار أن التأمل يحقق اليقظة التامة، كما أن البوذية شديدة المرونة؛ لذلك لا تجد أي مشكلة في التوافق مع العلمانية الغربية، بل إن العقل العلماني الغربي أكثر قبولاً لما تطرحه البوذية في جانبها الخاص بالإيمان بالإله، وكما يقول "كيوان": "فإن غياب مفهوم الإله المجسَّد في صورةٍ بشريةٍ في البوذية يُعد سمة أخرى تجعل البوذية أكثر قبولًا لدى العقل الحديث".

 

وحسب "كيوان" فإن العوامل التي حققت الانتشار البوذي في الغرب معقدة ومتنوعة، إلا أن الأهم هو مسألة المرونة التي جعلتها تتوافق مع الأيديولوجيات المعاصرة؛ لذا طوعت البوذية مبادئها حسب ما يستدعيه الموقف أمامها، فالبوذي يعيش مع الجميع حتى ولو كانوا ينتهكون ما يؤمن به.

 

لكن ما يعنينا في الاستشارة هو مسألة طرح البوذية نفسها كديانة تحقق السلام النفسي من خلال التأمل، ويبدو أن مفكري البوذية أدركوا أزمة الإنسان الغربي الروحية وأزمته الخاصة بغياب المعنى، ورغبة الكثير من الغربيين في ألا يتحملوا أية تكليفات دينية كان مدخلهم للانتشار في المجتمع الغربي.

 

تفترض البوذية أن السعادة والسلامة النفسية إنما هي مهارات يمكن التدرُّب عليها، وأن التأمل يمكن أن يصل إلى أعلى المستويات في التواصل مع النفس، ليعيد تشكيلها، وطرحت البوذية أكثر من أربعين موضوعًا للتأمل، يمكن التدرب عليها.

 

رصدت الكاتبة الأمريكية الشهيرة "أولغا كازان" تحول أعداد متزايدة من الأمريكيين إلى ممارسة الطقوس البوذية سعيًا وراء التحرر من الضغوط، وتحسين نمط حياتهم، وأكدت أن البوذية "مغرية" للأمريكيين خاصة مع تحول عدد من المشاهير نحو البوذية.

 

وأشارت إلى مجموعة من الأمور التي يجب الانتباه إليها، منها:

 

- أن هناك ازدهارًا في سوق التأمل في الولايات المتحدة، والأبحاث التي تدعم الفكرة.

 

- أن كتاب "لماذا البوذية صحيحة" للصحفي "روبرت رايت" من أكثر الكتب مبيعًا في العام 2017م.

 

- انتشار مراكز التأمل البوذي في عدد من الولايات الأمريكية.

 

- أن 40% من البالغين الأمريكيين يقومون بالتأمل مرة أسبوعيًّا على الأقل

 

- أن الكثير من الأمريكيين يلجؤون إلى التأمل البوذي، كبديل للعلاج النفسي المكلف، حيث إن 60% من المقاطعات الأمريكية ليس لديها أطباء نفسيون.

 

الإسلام ومعرفة النفس

 

الرؤية الإسلامية سعت أن يعرف الإنسان نفسه، وجعلت معرفة النفس وتغييرها عاملاً رئيسيًّا في استحقاق للتغيير الرباني، وكان أحد رواد التربية وهو "الحارث المحاسبي" يوصي بمحاسبة النفس ومراقبتها، وأن يكون العقل حافظًا لها من الزيغ، وله كتاب مهم في هذا الجانب هو "آداب النفوس".

 

أما "أبو حامد الغزالى" فقد اهتم بأن يعرف الإنسان نفسه؛ ففي كتابه "كيمياء السعادة" يقول: "اعلم أن مفتاح معرفة الله تعالى معرفة النفس"، وفي كتابه "معارج القدس في مدارج معرفة النفس" يرى أن فضائل النفس ورذائلها تنشأ من ثلاث قوى في الإنسان، هي قوة التخيل، وقوة الشهوة، وقوة الغضب.

 

ولعل ما جعل معرفة النفس وتهذيبها إحدى المسائل الكبرى في التربية الروحية والسلوكية، أن النفس الأمارة بالسوء أحد عوائق الارتقاء الروحي والسلوكي، كما أن الانتصار على النفس بشهواتها أحد معارج الكمال الإنساني، ولا يتحقق الانتصار على النفس إلا من خلال معرفتها.

الرابط المختصر :