الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
87 - رقم الاستشارة : 2640
08/09/2025
من فضلك دكتورة أميمة.. أنا أم وأشعر بقلق كبير بسبب ابنتي. منذ أن بدأت تأكل بعد الفطام — أي منذ أكثر من أربع سنوات — وهي ترفض معظم أنواع الطعام. إن ضغطنا عليها أو أصررنا أن تأكل تؤدي إلى تقيؤ متعمد أو ارتجاع عندها، وأحيانًا تبكي أو تغلق فمها وتتهرّب من الأكل تمامًا. الوجبات صارت مشحونة توتُّرًا وخوفًا، وأنا خائفة على تغذيتها ونموها وصحتها النفسية. نريد أن نعرف: هل هذا مرض نفسي؟ أم عضوى؟
لأنى ذهبت بها لعدد من أطباء الأطفال والجهاز الهضمي ولكن بلا فائدة، وبعضهم أكد أنه ليس مرض عضوي، فهل هو مرض نفسي؟ وما أسبابه وأعراضه ومضاعفاته؟ وكيف نعالجه خطوة بخطوة؟ شكرًا لك.
حبيبتي الأم القلقة..
أقدر تمامًا ما تمرين به وما تعانينه من قلق على طفلتك، وبالطبع هو أمر مقلق لأي أم تواجه نفس الأمر.. ولكني أود أن أوضح لك أولًا توضيحًا مهمًّا قبل أن أشرح لك ماهية ذلك السلوك.. وانتبهي إلى أنه "لا يمكن إعطاء تشخيص نهائي هنا بدون فحص طبي ونفسي سليم"، ولكن -وبناءً على وصفك- فإن هناك احتمالاً قويًّا أن المشكلة تقع تحت محور اضطرابات الأكل عند الأطفال، والأبرز منها:
أولاً التشخيصات المحتملة (فرضيًّا)
- اضطراب الأكل التجنبي/الانتقائي (ARFID):
ويكون برفض متكرر للطعام أو تقييد لأنواع محددة لدرجة تؤثر على التغذية أو النمو، وليس بسبب الرغبة في فقدان الوزن أو شكل الجسم. قد يكون السبب حساسيات حسّية (طعم/قوام/نكهة)، أو خوفًا من الاختناق/التقيؤ، أو قلة اهتمام بالطعام.
- اضطراب تغذية الطفولة/المراهقة المزمن (Feeding disorder of infancy/early childhood) إن بدا أن المشكلة مستمرة منذ الطفولة المبكرة.
- وهناك أسباب طبية أو حسية:
ألم عند البلع (التهاب، ارتجاع معدي مريئي)، حساسية طعامية، اضطراب بلع (دسفاجيا)، أو حساسية في الجهاز الهضمي.
- أسباب تطورية/نفسية: اضطراب طيف التوحد (حساسيات حسية مرافقة)، اضطرابات القلق (خوف من التقيؤ)، أو تجربة سابقة سلبية (اختناق/قيء بسبب مرض).
* وبالنسبة للتقيؤ عند الضغط عليها لتأكل، فقد يكون رد فعل قَلقي/انفعالي، وليس بالضرورة قيء مرضي تلقائي.
* إلا أنني شخصيًّا أرجح أن يكون السبب الرئيس لحالة ابنتك، هو النوع الأول اضطراب الأكل التجنبي أو avoidant eating disorder.
ثانيًا علامات وأعراض مهمة
- رفض معظم الأطعمة أو قبول مجموعة صغيرة جدًّا منها.
- تقيؤ أو قيء عند محاولة الإكراه أو الضغط.
- سلوكيات تجنبية (إغلاق الفم، البكاء، الهروب من المائدة).
- توتر شديد أثناء الوجبات لدى الأسرة.
أما و(إن وُجد) فقدان وزن، بطء في النمو، أو علامات نقص تغذية — هذه علامات تحتاج تقييمًا طبيًّا فوريًّا.
مضاعفات التغذية المحدودة
ثالثا: وبالطبع هذه التغذية المحدودة تؤدي إلى مضاعفات ممكنة إن لم تُعالَج، مثل:
- سوء تغذية، نقص في فيتامينات/معادن (حديد، فيتامين د، بروتين)، تراجع النمو أو فشل في اكتساب الوزن المتوقع.
- وكذلك تؤدي إلى تأخّر في المهارات الحركية الفموية أو مشاكل في الأسنان.
- كما أنها تؤدي إلى مشاكل نفسية: قلق، عزلة اجتماعية (الابتعاد عن الوجبات العائلية)، توتر عائلي مستمر.
- وفي الحالات الحادة: تكون بحاجة لمكملات غذائية أو تغذية عبر أنبوب إذا لم يتحسن الوضع.
العلاج السلوكي
رابعًا: وإذا كاتت -عزيزتي الأم- قد اجتازتِ الخطوات التخصصية الطبية كما ذكرتِ.. فإن العلاج السلوكي النفسي سيكون إجمالاً كالتالي:
ستحتاج ابنتك إلى العلاج متعدد الأوجه، ويشتمل على: مراقبة طبية، تغذية علاجية، علاج سلوكي/نفسي، علاج نطقي/حسي عند الحاجة.
خطوات عملية فورية
* وإليك خطوات عملية فورية وأسلوب تعامل منزلي:
1- أوقفوا الضغط والإكراه فورًا.. فالضغط عادة يزيد تجنب الطعام والقيء.
2- حددي نظامًا ثابتًا للوجبات: مواعيد منتظمة لوجبات رئيسية ووجبات صغيرة -بدون أي أكلات بينهما- لتستعيد الشهية.
3- خيارات بسيطة وقابلة للتحمل: قدمي خيارين صغيرين بدلاً من إصرار على وجبة كاملة.
4- التدرج (Graded exposure) مهم جدًّا: فلا تطلبي منها أن تأكل كمية، اطلبي فقط أن تلمس/تشم/تداعب الطعام، ثم تذوّق لقمة صغيرة، وبعد تكرار مراحل تتقدّم، وهكذا.
5- اللعب والتعرّف على الطعام: استخدام أنشطة غير ضاغطة (لعب بالطعام، رسم الخضروات، ترتيب الألوان) خصوصًا مع الصغار.
6- نموذج الأهل: الأهل يأكلون أمام الطفل بثبات وبدون ضغط، ويظهرون تجربة الطعام بهدوء، والأهم يظهرون أنه شهي.
7- امنحيها مكافآت غير غذائية: مدح واهتمام عندما تقترب من الطعام، مكافآت صغيرة غير غذائية لتشجيع المحاولة، وهكذا.
8- من المفيد تسجيل وجبات وملاحظات: دفتر يومي يسجل فيه ما جُرِّب، رد الفعل، وأي عوامل مسببة للقلق (متى تتقيأ؟ عند من؟ بعد أي طعام؟). فهذا يساعد الأخصائيين.
9- علميها مهارات تنظيمية عاطفية: تعليم الطفلة التعبير عن الخوف (مثلاً: أنا خائفة من الاختناق) بدل التقيؤ استجابة للضغط.
10- اتخذي بعض الإجراءات التلطيفية عند القيء: فلا تعاقبي ولا تلفتي الانتباه المفرط؛ ولكن استخدمي معها عبارة هادئة: «لا بأس، سنهدأ الآن». ثم إعطاء مسافة وتهدئة.
* وإليك كذلك تدخلات علاجية متخصصة:
- برنامج علاج تغذية سلوكي (Behavioral Feeding Therapy):
1- جلسات منظمة مع أخصائي تغذية وعلاج سلوكي، تدرج التعرض إلى الأطعمة.
2- CBT-AR علاج معرفي سلوكي موجه لـ ARFID: مفيد إذا كان الرفض متعلقًا بقلق اختناق أو تقيؤ.
3- علاج نطق/بلع (SLP) لتمارين الفم والبلع إذا كانت مشكلة عضوية/حركية.
4- علاج حسّي (OT) إن كان لدى الطفلة حساسية من القوام/اللمس.
5- ولا بد من دعم عائلي وتدريب الوالدين على استراتيجيات الإطعام الإيجابي.
* ملحوظة مهمة:
في حالات القلق الشديد قد يفكّر أخصائي نفسي بالتدخل الدوائي ويقرره كجزء من خطة شاملة.. لكن هذا قرار يتخذه طبيب نفسي للأطفال مختص بعد تقييم.. "إلا أنني لا أحبذه".
عبارات يمكن استخدامها
خامسًا: عبارات ونماذج لجمل يمكن للأهل استخدامها أثناء الوجبة الغذائية للطفلة:
- عند التشجيع: «شكرًا لأنك جربت لقمة صغيرة — هذه شجاعة».
- عند الرفض دون إكراه: «لا مشكلة.. يمكنك أن تأخذي وقتك.. الوجبة ستظل هنا إذا رغبتِ لاحقًا».
- عند التقيؤ: «لا بأس، لن أضغط عليك الآن.. متى شعرتِ بتحسن نأخذ خطوة صغيرة معًا».
البحث عن مساعدة طارئة
سادسًا: متى يجب البحث عن مساعدة طارئة أو عاجلة لا قدر الله؟
- فقدان وزن واضح أو عدم اكتساب وزن متوقع.
- أعراض سوء تغذية (ضعف، تعب شديد، دوخة).
- قيء مستمر لا يتوقف أو تقيؤ دموي أو علامات جفاف.
- إن كان الرفض مصحوبًا بصعوبات في التنفس أو بلع سائل.
* وأخيرًا إليك عزيزتي الأم:
هذه المشكلة شائعة نسبيًا وتحتاج إلى صبر وخطة منظمة أكثر من الضغط. أهم شيء الآن حماية التغذية والنمو، ثم العمل على تغيير علاقة الطفلة مع الطعام بتدرج ودعم مهني. لا تُحمِّلي نفسك لومًا، فالضغط يزيد المشكلة، والخطوة الأولى الصحيحة هي تقييم طبي وبدء نهج تدريجي وداعم. كما أوصبك بديمومة الدعاء لها بالشفاء.
* ولحساسية الأمر فإنني -وللأمانة- أؤكد مرة أخرى على أن ما قمت بذكره لهذه الحالة تحديدًا، هي إرشادات عامة وليست بديلاً عن فحص طبي ونفسي مباشر، ويُفضّل البدء بتقييم طبي للأطفال في أقرب فرصة. وأسأل الله تعالى لابنتك الشفاء الذي لا يغادر سقمًا.