الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
227 - رقم الاستشارة : 2211
28/07/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا أم لطفل عمره 6 سنوات، في الصف الأول الابتدائي، وهو طفلي الأول وأقرب أبنائي إلى قلبي.
مع بداية الإجازة الصيفية، وضعتُ لنفسي ولابني هدفًا واضحًا: أن نحفظ قدرًا طيبًا من القرآن الكريم، ليكون له زادًا ونورًا في قلبه منذ الصغر. جهّزت مصحفًا ملونًا، وحددت وقتًا يوميًا للحفظ والمراجعة، وبدأت معه بهمة عالية.. لكنّي اصطدمت بعدة أمور أرهقتني نفسيًا، وجعلتني أتساءل: هل أضغط عليه؟ أم أتركه؟ أم أبحث عن حل وسط؟
المشكلة أن تركيزه ضعيف جدًّا أثناء جلسة التحفيظ، يتشتت بسرعة، وأحيانًا ينسى ما حفظه بالأمس، بل وأحيانًا يرفض الجلوس للحفظ من الأساس، ويتحجّج بالتعب أو باللعب.
أصرخ أحيانًا، وأحيانًا أهدده بالحرمان من التلفاز أو الخروج، ثم أندم. أشعر أنني بدأت أحمّله فوق طاقته. في المقابل، أرى أبناء بعض صديقاتي حفظوا سورًا طويلة دون تعب، مما يشعرني بالعجز كأم، وبأنني مقصّرة في حقه.
أنا لا أريد أن أُنفّره من القرآن، بل أريد أن يحبّه، لكنّي في الوقت نفسه أريد استغلال الإجازة بشكل مفيد.
فهل ضعف الحفظ طبيعي في هذه السن؟ وهل قلة التركيز تعني مشكلة؟ كيف أُحبّبه في كتاب الله وأعوّده عليه دون أن أضغط عليه؟
أرشدوني، بارك الله فيكم، فأنا حريصة على دينه ومستقبله، ولكنّي أشعر بالحيرة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيتها الأم الصادقة الحريصة..
حياكِ الله هذه النية المباركة، والسعي الجاد إلى غرس حبّ القرآن الكريم في قلب طفلك في هذه السن المبكرة، وهي بلا شك نيةٌ عظيمةٌ تُرضي الله وتُؤسس لبناء نفسي وروحي متين.
ولكن دعيني أولًا أطمئن قلبك يا عزيزتي: إن كثيرًا من الأمهات يشعرن بذات الحيرة، ويترددن بين الحرص والرفق، بين الطموح والصبر، وكل هذا طبيعي ومفهوم في مرحلة الطفولة المبكرة.
فطفلك ما زال في السادسة، وهي مرحلة نمو معرفي وعقلي، وهي مرحلة لم يكتمل فيها بعدُ التركيز المستقر أو الحفظ طويل المدى (Long-Term Memory)، لذا لا يُمكننا مقارنة قدراته بقدرات أطفال آخرين دون مراعاة الفروق الفردية.
- ويجب أن تعلمي أن ضعف التركيز في هذه السن لا يعني بالضرورة وجود مشكلة عضوية أو إدراكية، بل غالبًا ما يكون نتيجة طبيعية لحيوية الطفل، وفضوله، وتشتته بسبب المحفزات الكثيرة من حوله.
- كما أن ضعف الحفظ لا يُقاس بعدد السور التي يحفظها، بل بمدى تعلقه العاطفي بكلام الله، وهذا ما نريده حقًّا: أن يحب القرآن، لا أن يكرهه لمجرد الحفظ.
- كذلك رفض الجلوس أو التهرب هو سلوك دفاعي طبيعي حين يشعر الطفل بالضغط أو التهديد أو التنافس غير المُحبّب، وهو ما يُعرف نفسيًّا بـ Avoidance Behavior.
* ولذلك سوف أهديكِ خطوات عملية تربوية نفسية، أسأل الله أن تكون سببًا في دعمك وزيادة تركيزه وحفظه:
أولًا: اجعلي القرآن جزءًا من الروتين، لا اختبارًا..
حددي وقتًا ثابتًا للحفظ يوميًّا، ولكن اجعليه وقتًا محببًا مليئًا بالمرح، يمكن أن يصاحبه رسم أو ألوان أو حركة؛ فالطفل في هذه المرحلة يتعلم أكثر من خلال Kinesthetic Learning أو (التعلم الحركي)، لا من خلال الجلوس الصامت الطويل.
ثانيًا: اجعلي الحفظ بالحب لا بالإكراه..
فلا تستخدمي مثلا، التهديد أو الحرمان كوسيلة لتحفيظه، فهذا يمكن أن يُنتج -لا قدر الله- ما يسمى بـ Negative Association أي الارتباط السلبي بالقرآن الكريم.. بل استخدمي التشجيع والثواب الرمزي، مثل ملصقات النجوم أو جدول الإنجاز، مع عبارات، مثل: "الله يحب من يحفظ كلامه"، "الملائكة تفرح بك الآن".
ثالثًا: غلّفي الآيات بالقصص والمعنى..
بمعنى، لا تحفظيه كلمات مجردة، بل اربطي كل سورة بقصة قصيرة، أو موقف من حياته، فالعقل في هذه السن يستوعب من خلال Narrative Learning أو (التعلم القصصي) أكثر من الحفظ المجرد.
مثال: قبل سورة الفيل، احكي له حكاية أبرهة والفيل، واجعلي القصة جزءًا من اللعب وبأسلوب تشويقي.
رابعًا: امدحيه أمام نفسه وأمام أبيه..
يقول النبي ﷺ: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"؛ فشكر الطفل ومدحه على كل خطوة يُعزز ثقته بنفسه (Self-Efficacy) ويُشجعه على الاستمرار دون خوف من الفشل.
خامسًا: إياكِ والمقارنة، لا تقارنيه بغيره..
فالمقارنة تقتل الدافعية عند الطفل، وتُحدث ما نُسميه في التربية بـLearned Helplessness، أي الشعور بالعجز المتعلم، حين يشعر الطفل أن الجهد لا يوصله إلى نتيجة أمام من يتفوق عليه. بل قولي له: "كل واحد له طريقته، وأنت مميز بطريقتك، وربنا يحب اجتهادك".
وتذكّري يا حبيبة القلب، أن النبي ﷺ قال: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران". فطفلك له أجران: أجر المحاولة، وأجر المشقة،
وأنتِ حتمًا مأجورة إن شاء الله؛ فلا تستهيني بما تزرعين الآن، وإن بدا لكِ صغيرًا، فإنه سيزهر بإذن الله في وقته.
* همسة أخيرة:
اجعلي هدفك في هذه الإجازة أن يحب القرآن، لا أن يُنهي جزءًا. ازرعي بذرة الارتباط، والحب، والأُنس بكلام الله. فلو أحبّه بقلبه، فسيحفظه بذاكرته دون عناء في المستقبل.
واعلمي أن دورك ليس أن "تنتجي حافظًا"، بل أن "تبني قلبًا يأنس بكلام الله"، وهذا هو جوهر التربية الإيمانية.
بارك الله لك في ابنك وجعله قرة عين لك ولأبيه وجعله من حفظة كتاب الله.