الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
45 - رقم الاستشارة : 2038
22/05/2025
السلام عليكم يا دكتورة، أنا عندي مشكلة حقيقي مش عارفة أتعامل معاها وعاوزة رأي حضرتك كأم ومستشارة تربوية...
أنا طالبة في آخر سنة في الجامعة، وبامتحن دلوقتي امتحانات البكالوريوس، يعني الضغط عليّ كبير جدًا ومحتاجة كل دقيقة أذاكر فيها.
المشكلة إن خالي ومراته مسافرين الحج، وسابوا بناتهم عندنا في البيت لحد ما يرجعوا، بنتين واحدة عندها ٥ سنين والتانية ٧ سنين.
أنا بحبهم جدًّا، لكنهم فعلاً أشقياء جدًّا وطاقتهم عالية، بيزنوا كتير، وبيجروا ويتخانقوا، وكل شوية عايزين حد يلعب معاهم أو يحل مشكلاتهم.
والمشكلة الأكبر إن ماما بتشتغل وبتسيبهم معايا طول اليوم، وأنا مش عارفة أذاكر ولا أركز، وكل شوية بزعق وبحس إني فقدت أعصابي، وبعدين أزعل إني زعقت!
أنا مش عايزة أكون قاسية عليهم، خصوصًا إنهم صغيرين ومش ذنبهم، لكن كمان مش عارفة أوازن بين مذاكرتي وبين الاهتمام بيهم... أعمل إيه؟ أتعامل معاهم إزاي؟ وهل ينفع أحط لهم روتين أو نظام يساعدني أنا كمان؟
مستنيا نصيحتك يا دكتورة أميمة، وشكرًا جدًا لحضرتك.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابنتي الكريمة…
أولًا، أود أن أضمّك افتراضيًّا إلى قلبي، وأطمئنك أنّ مشاعرك المتضاربة ما بين حبك لهاتين الطفلتين، واحتياجك للهدوء والتركيز خلال فترة الامتحانات؛ هي مشاعر طبيعية تمامًا، وتدلّ على وعيك ونضجك وتحملك للمسؤولية رغم صعوبة الظرف.
ومشكلتك سوف أتناولها من ثلاثة محاور أساسية: النفسي، التربوي، والواقعي.
أولًا: المحور النفسي:
ان ما تمرين به الآن يمكن تسميته بـ "التنازع القيمي" Value Conflict؛ حيث تتنازعين بين قيمة "الرحمة والمسؤولية العائلية"، وقيمة "الإنجاز الأكاديمي وتحقيق الذات". وهذا التنازع يولّد ضغطًا نفسيًا يُعرف باسم Cognitive Dissonance أو التنافر المعرفي، أي شعورك بالذنب لأنك تقصرين في جانب أثناء الوفاء بآخر.
وهنا أذكّرك بقول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، فليس المطلوب منك الكمال، بل بذل الجهد المتوازن قدر استطاعتك.
ثانيًا: المحور التربوي:
من أعظم ما يُعزّز التوازن في حياة الإنسان هو وجود روتين تربوي منظم، يُسهم في خفض الفوضى وضبط السلوك، خاصة مع الأطفال في سن ما قبل المدرسة وكذلك السن المدرسية المبكرة.
* لذا أقترح عليك بعض الخطوات التربوية العملية:
١- ضعي جدولًا يوميًا بسيطًا للطفلتين، واجعليه يتضمّن أوقات اللعب، تناول الطعام، مشاهدة الرسوم، وأوقات الراحة أو النوم، فهذا يمنحهما أمانًا سلوكيًّا ويخفف من اندفاعهما واحتياجهما المستمر لك.
٢- خصصي لهما أنشطة استقلالية، مثل التلوين، تركيب البازل، أو اللعب بالرمل أو الصلصال، فهذه الأنشطة تُشغل الطفل ذهنيًّا، وتسمح لك بالتركيز نسبيًا أثناء المذاكرة.
٣- استخدمي التعزيز الإيجابي أو الـ Positive Reinforcement، فكلما التزمتا بالسلوك الجيد، مدحتهما بكلمات حانية، أو قدّمت مكافأة بسيطة؛ فعن النبي ﷺ أنه قال: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، فالشكر والمدح أسلوب نبوي أصيل في بناء النفس السوية.
٤- أشركيهما بشكل رمزي في مسؤوليتك، مثل أن تقولي لهما: "أنا دلوقتي عاوزة أذاكر شوية، وانتوا هتساعدوني تقعدوا بهدوء كأبطال عشان ننجح سوا"، فذلك يوقظ فيهما الشعور بالانتماء والمشاركة.
ثالثًا: المحور الواقعي:
لا تنكري الواقع ولا تقاوميه، بل تقبّليه بوعي، وتذكّري أن هذه الأيام محدودة، وأن دورك الآن مع هؤلاء الصغيرات ليس عبئًا بل أمانة.
قال رسول الله ﷺ: "كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته"، وقد جعلك الله في هذه اللحظة راعية لهن، لكن برحمة لا قسوة، وبذكاء لا انفعال.
وهنا أنصحك أيضًا بالتواصل مع والدتك، أو أي فرد آخر من الأسرة، ومصارحتهم بحاجتك لساعات يومية تركّزين فيها، ومحاولة توزيع الوقت بينكم إن أمكن.
* وهمسة أخيرة:
قد تكون هذه التجربة درسًا عميقًا لكِ، في التكيف النفسي وتنظيم الوقت، وهي مهارات لا تقل أهمية عن الشهادة الجامعية. أنتِ تنجحين الآن في اختبار الحياة قبل أن تنجحي في اختبار الجامعة.. فكوني فخورة بنفسك.
ولا تنسي أن الصبر في الشدائد مفتاح الرضا وسبب للرفعة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، فاصبري واحتسبي حبيبتي، لعل الله تعالى ييسّر لك الخير ويجعل لك من كل ضيق فرجًا في امتحاناتك وحياتك، وربما كانت مساعدتك هذه سببًا في خير كبير لك.