يخبط رأسه في الأرض.. كيف أتصرف مع طفلي؟!

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 1
  • رقم الاستشارة : 2061
24/05/2025

السلام عليكم يا دكتورة، أنا أُم لأول مرة، وابني عمره دلوقتي سنة، هو الحمد لله بيمشي وبيبدأ يستكشف حواليه. بس عندي مشكلة مقلقاني جدا ومش عارفة أتصرف فيها.

ابني لما بيقعد يلعب، وأي حاجة أحاول أبعدها عنه علشان فيها خطر (زي فيشة كهربا أو حاجة صغيرة ممكن يحطها في بقه)، بينفعل جدا، ويبدأ يزعق ويعيط، وساعات يحدف نفسه على الأرض من غير ما ياخد باله، وخصوصا بيرجع بدماغه الورى جامد، فتخبط رأسه في الأرض، وساعات تبقى خبطة شديدة لدرجة إني ببقى خايفة تكون أثرت عليه.

أنا مش عارفة أتعامل معاه إزاي؟! هل ده طبيعي في السن دي؟ ولا معناه إنه عنيد أو عصبي؟ وخايفة كمان يكمل على الحال ده ويبقى أسلوبه لما يغضب.

ياريت تفهميني يا دكتورة أتصرف إزاي مع الموقف ده، ومن غير ما أؤذيه نفسيا أو جسديا، لأني حريصة جدا أربيه صح، بس فعلاً مش فاهمة ده طبيعي ولا لأ؟

الإجابة 24/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

مرحبًا بكِ أيتها الأم الطيبة المجتهدة، في الواقع أنا سعيدة بسعيكِ إلى التربية الواعية، وأول خطوات التربية السليمة، أن تسألي وتتحري وتتعلمي، فبوركتِ وسدّدكِ الله.

 

أولًا: أحب أن أطمئنكِ، فالسلوك الذي ذكرتِه –رغم أنه يسبب القلق– فإنه سلوك شائع في هذه المرحلة العمرية (من عمر 1 إلى 3 سنوات)، ويُصنف بأنه من مظاهر "نوبات الغضب"، وهي جزء طبيعي من تطور الطفل العاطفي والانفعالي.

 

في هذا العمر، يبدأ الطفل في اكتشاف العالم من حوله، ومع ذلك فإن قدرته على التعبير عن مشاعره أو فهم حدود الأمان لا تزال غير مكتملة، لذا حينما يُمنع من شيء يريده – حتى وإن كان خطرًا عليه– لا يستوعب سبب المنع، بل يشعر أن رغباته قوبلت بالرفض، فيعبّر عن غضبه بطريقة بدائية.

 

ما ذكرتِه من "رمي نفسه للخلف"، يُعد رد فعل انفعالي ناتج عن ضعف مهارات التنظيم الذاتي، وهو أمر لم يتطور بعد في جهازه العصبي. بل إن الطفل في هذه السن لا يملك ما يسمى بـ Impulse Control أو التحكم في الاندفاع، فهو يتصرف بتلقائية دون تفكير أو تقييم للعواقب.

 

وهنا يأتي دوركِ -يا حبيبة القلب– في تعليمه بالحب والحزم معًا. إليكِ بعض التوجيهات التربوية المبنية على علم النفس التربوي والسلوكي:

 

1- يجب عليك تهيئة البيئة الآمنة:

 

قبل كل شيء، تأكدي أن مكان لعبه مفروش جيدًا، أو أن يكون خلفه وسادة أو سجادة سميكة، حتى لا تؤذيه هذه الحركات. فهذه مرحلة مؤقتة وسيمر منها إن شاء الله، لكن الأذى البدني لا يُستهان به.

 

2- لا بد من التفهم أولا لطبيعة التصرف، لا التسرع في الحكم:

 

فحينما يُصاب طفلك بنوبة الغضب، لا تصفيه بالعناد أو العصبية، فهذان توصيفان لا يُناسبان عمره، بل هو لم يتعلم بعد كيف يُدير مشاعره. في علم النفس نُسمّي هذه المرحلة بـEmotional Dysregulation، أي اضطراب التنظيم الانفعالي، وهو طبيعي في عمره.

 

3- ولا بد أن تكون استجابتك له هادئة:

 

فلا ترفعي صوتكِ عليه، ولا تتركيه يُكمل انفعاله حتى يهدأ وحده، بل اقتربي منه، واحتضنيه –إن قَبِل– أو اجلسي بقربه وعبّري له عن تفهّمكِ لمشاعره، قولي له: "ماما فاهمة إنك زعلان علشان كنت عايز اللعبة دي، بس دي خطر ومش هينفع نلعب بيها".

 

بهذا أنتِ تُعزّزين لديه ما يُسمى بـEmotional Validation، أي التقدير لمشاعره، وفي نفس الوقت تضعين حدودًا واضحة.

 

4- ثم جهزي له البدائل مع التوجيه:

 

بعد تهدئته، قدّمي له بديلاً آمنًا، فالمنع وحده يولّد الغضب، لكن توفير البدائل يُساعد بداخله على المرونة النفسية (Resilience) لديه.

 

5- من المهم جدًّا ثباتك عند التكرار:

 

كرري هذا النمط التربوي في كل مرة بنفس الهدوء والثبات، ولا تستجيبي لصراخه بمنحه الشيء الممنوع، حتى لا يتعلم أن الصراخ وسيلة فعالة للحصول على ما يريد.

 

6- كما أوصيك حبيبتي بالدعاء واليقين بالإجابة:

 

استعيني بالله، وادعي له دائمًا: "اللهم اجعل ابني قرة عينٍ لي، وهيئه لخير ما خلقته له.. اللهم اصنعه على عينك".

 

واصطَبري، ففي الصبر على التربية أجر عظيم، قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾، فإذا كان الأمر بالصلاة يحتاج إلى صبر، فكيف بالتربية من أولى درجاتها!

 

* خمسة أخيرة لحبيبتي الأم الصغيرة:

 

تذكري دائمًا أن التربية ليست ساحة قتال، بل حديقة نرعاها بالصبر والحب والتفهّم. ابنكِ لا "يختبركِ" بقدر ما "يتعلم" من طريقة استجابتكِ. وكل لحظة غضب هي فرصة لتعليمه مهارة جديدة، وكل موقف انفعالي هو صفحة نخط له فيها بالحكمة والأناة.

 

فكوني له مأمنًا ومَعلمًا... وسيكبر إن شاء الله متزنًا، هادئ النفس، واثقًا بكِ، مدرِكًا لحدوده، وواعيًا لمشاعره.

الرابط المختصر :