كيف أنقذ أخي من إدمان الألعاب الإلكترونية؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 156
  • رقم الاستشارة : 2253
02/08/2025

أنا الأخت الكبيرة في الجامعة، وعندي أخ صغير عنده 11 سنة. بصراحة بقى مهووس جدًا بألعاب الكمبيوتر والموبايل. طول الوقت عايش فيها، يعني حتى وإحنا قاعدين ناكل أو وقت النوم، يفضل يحكي عن تفاصيل الألعاب، وعن الشخصيات اللي فيها، وأسماء الشركات اللي بتصنعها، ومين بيصممها، وبيتابع قنوات يوتيوب مخصوصة عن الألعاب دي.

ولما بنحاول نمنعه شوية أو نقلل من وقته قدام الشاشة، بيتحول تمامًا! بيزعل جدًا، وبيبقى عنده نوبات غضب، وساعات بيبكي من كتر الزعل، وبيبقى عصبي جدًا. بلاحظ عليه إنه بيبقى مكتئب ومش طايق أي حد لما بنقوله كفاية لعب. وكمان هو مش بيعرف يتعامل كويس مع الأطفال اللي في سنه، بيقولوا عليه إنه غريب أو "اتكالي"، وساعات بيتعرض للتنمر في النادي أو المدرسة، لأنه مش بيعرف يتفاعل معاهم ولا يشارك في اللعب أو الأنشطة.

أنا حاسة إنه خلاص بقى مش شايف في الحياة غير الألعاب بس، لا مهارات اجتماعية، ولا معلومات عامة، ولا أي نوع من النضج المناسب لسنه، وأنا قلبي واجعني عليه ومش عارفة أساعده إزاي. إيه أفضل طريقة أتعامل بيها معاه؟ وهل فيه أمل إنه يرجع طبيعي ويتفاعل مع الناس؟

الإجابة 02/08/2025

مرحبًا بكِ يا ابنتي الطيبة،

 

أشكر لكِ هذا الحرص النبيل على أخيكِ الصغير، وشعوركِ العميق بالمسؤولية نحوه، وهذا في حدّ ذاته علامة على نضجكِ وصدق انتمائكِ الأسري، جعلكِ الله سببًا في سعادته واستقامته.

 

أما بخصوص الحالة التي ذكرتِها، فإن أخاكِ -حفظه الله- يمر بعدة تحديات نفسية وسلوكية متداخلة، ويبدو من وصفكِ أنه يعاني مما يُعرف في علم النفس بـالإدمان السلوكي (Behavioral Addiction)، وتحديدًا إدمان الألعاب الإلكترونية (Gaming Disorder)، وهو اضطراب تم الاعتراف به رسميًّا من منظمة الصحة العالمية (WHO) ضمن التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11).

 

أولًا: إليكِ فهم أعمق لسلوك الطفل..

 

حين ينغمس الطفل في عالم الألعاب الإلكترونية بهذا الشكل المفرط، إلى درجة أن حياته النفسية والاجتماعية تتأثر بشكل ملحوظ، فإن هذا لا يحدث عادةً عبثًا. بل يكون غالبًا تعويضًا عمّا يفتقده من مشاعر القبول، أو النجاح، أو الانتماء في واقعه الحقيقي. الألعاب الإلكترونية تمنحه الإحساس بالتحكم، وتزوّده بإشباع لحظي سريع، وتوفر له عالمًا بديلًا يشعر فيه بالتقدير والانتصار، وهو ما يُسمى في علم النفس بمفهوم "الهروب النفسي" (Psychological Escape).

 

ثانيًا: ما وراء العدوانية والحزن..

 

ردود الفعل التي ذكرتِها عند منعه من اللعب -مثل العدوانية والحزن الشديد- تدل على ما يُعرف باضطراب التعلّق السلوكي (Attachment to digital behavior)، وهذا مؤشر يجب التعامل معه بعناية، لأنه لو تُرك دون تدخل حقيقي فقد تتفاقم تبعاته وتؤثر على النمو الاجتماعي والانفعالي، وربما الأكاديمي.

 

قال تعالى: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، والإسراف هنا لا يقتصر على الطعام والشراب، بل يشمل الإسراف في الوقت، والانشغال بما يفسد الفطرة ويشتّت العقل.

 

ثالثًا: بالنسبة للتنمر وضعف المهارات الاجتماعية..

 

تعرضه للتنمر وضعف تواصله مع أقرانه، هو أحد أهم الدوافع التي قد تكون دفعته للهروب إلى العالم الرقمي، وقد يكون أيضًا نتيجة لتأخر في النمو الاجتماعي والانفعالي. وهنا لا بد من التدخل لإكسابه المهارات الاجتماعية بطريقة تدريجية وهادئة.

 

* وسأوضح لك هنا، كيف تتعاملين معه عمليًّا:

 

1- ابدئي بالاحتواء لا بالمنع المفاجئ:

 

فالتغيير المفاجئ سيزيد العدوانية. تقبليه أولًا، وأظهري له أنكِ تحبينه وتفهمين عالمه، ثم انتقلي معه تدريجيًّا نحو البدائل.

 

واحرصي على أن يشعر بأنه "مسموع" و"مرئي"، وهي احتياجات نفسية مهمة جدًّا في هذه المرحلة العمرية.

 

2- اعتمدي قاعدة "الوقت المنظّم" (Structured screen time)

 

حددي له وقتًا ثابتًا ومعقولًا للّعب، مع جدول واضح يشمل أنشطة أخرى. هذه الطريقة تساعده على تنظيم الذات (Self-regulation)، وهي مهارة حاسمة في النمو النفسي.

 

3- وفِّري بدائل ممتعة وحقيقية:

 

شجعيه على هوايات بديلة (رياضة، رسم، أعمال يدوية)، وساعديه على تحقيق شعور بالإنجاز الواقعي، حتى لا يظل النجاح حكرًا على العالم الافتراضي الذي انغمس فيه.

 

4- دربيه على المهارات الاجتماعية:

 

خصصي له وقتًا منتظمًا لمواقف اجتماعية حقيقية، ودربيه على مبادئ التواصل الفعّال (Effective Communication)، مثل التحدث بثقة، الاستماع، التعبير عن الرأي... وهكذا.

 

5- شاركيه الألعاب أحيانًا:

 

شاركيه لعبة من اختياره لبعض الوقت، لا لتغذّي الإدمان، ولكن لتكسبي ثقته وتدخلي عالمه فتقدري على توجيهه منه، لا من خارجه.

 

6- استعيني بأخصائي سلوكي إن لزم الأمر:

 

فإن استمرّ هذا السلوك وكان يصاحبه مشكلات في المدرسة أو النوم أو العلاقات، فأنصح بعرضه على أخصائي نفسي تربوي لمتابعة خطة تعديل سلوك متكاملة.

 

* وهمسة أخيرة لابنتي الحبيبة:

 

تذكّري قوله ﷺ: "إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كلِّه". فلا التهاون مصلحة، ولا الشدة المُفرطة حل، إنما الحكمة أن نجمع بين الحزم الرحيم، والرحمة الحازمة.

 

واعلمي –غاليتي- أن التربية ليست فقط تصحيح خطأ، بل هي بناء عقل، وغرس قيمة، وتعزيز هوية، وإنكِ بهذا الوعي تمثلين خط الدفاع الأول عنه بإذن الله.

 

أسأل الله له ولجميع أبنائنا الهداية وصلاح الأحوال.

الرابط المختصر :