طفلي يلهث كالكلب.. كيف أتصرف؟!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : الأطفال
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 164
  • رقم الاستشارة : 2130
17/07/2025

السلام عليكم يا دكتورة أميمة،

أنا أم لطفل عمره سنتين، وكنت محتاجة رأي حضرتك في حاجة بجد مقلقاني جدًّا.

إحنا مربّيين كلب في البيت من قبل ما ابني يتولد، والكلب ده أليف جدًّا وابني متعلق بيه جدًّا جدًّا، بيحضنه، يلعب معاه، ويقعد جنبه طول الوقت.

المشكلة اللي بدأت ألاحظها من فترة إن ابني بقى بيقلد الكلب في كل حاجة! خصوصًا إنه بقى دايمًا يطلّع لسانه كده برا زي الكلب، وبيعمل صوت اللهاث (هـ هـ هـ...) ويكرره حتى وهو قاعد لوحده!

في الأول كنت بضحك، وقلت ده مجرد لعب، بس دلوقتي الموضوع زاد، وبقى شبه عادة عنده. حتى لو الكلب مش موجود، بيعمل كده!

أنا بدأت أخاف... هل ده طبيعي؟ هل ده ممكن يسبب له مشكلة نفسية؟ أو يأثر على سلوكياته لما يكبر؟

بصراحة يا دكتورة أنا مش ضد تربية الحيوانات، بس أنا قلبي على ابني جدًّا، ومش عايزة أي حاجة تأثر عليه وهو صغير بالشكل ده.

محتاجة نصيحتك... أتصرف إزاي؟ وهل أبدأ أقلّل وجود الكلب قدامه؟ ولا أتعامل إزاي من غير ما أضايقه أو أخوفه؟

الإجابة 17/07/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أحييك أولًا على دقة ملاحظتك، وعلى اهتمامك الواعي بتفاصيل سلوك طفلك في هذه السن المبكرة، وهذا يدل على أمومة يقِظة، وقلب ممتلئ بالحب والمسؤولية.

 

أولًا: وبما أنك بدأتِ بتحية الإسلام، فهذا شجعنى - واسمحي لي - على أن أنوه لأمر مهم ألا وهو الحكم الشرعي لتربية الكلاب، ولك في النهاية مطلق الحرية:

 

في الشريعة الإسلامية، تربية الكلاب في البيوت جائزة في حالات مخصوصة، كالحراسة أو الصيد أو رعاية الماشية وذلك يكون خارج المنزل، ولكنّ اقتناءها داخل المنزل لغير حاجة شرعية قد ورد فيه نهي، لما فيه من مشكلات فقهية تتعلق بطهارة المكان ووجود الملائكة وبعض الأخطار على أهل البيت كبارًا وصغارًا.

 

قال رسول الله ﷺ: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب أو صورة".

 

لكن علينا أن نتعامل مع الواقع الحالي برحمة وتدرج، لا بنهر أو قسوة، خاصة أن الطفل قد تعلّق به بالفعل.

 

ثانيًا: أود أن أطمئنك بأن سلوك طفلك طبيعي في هذه المرحلة..

 

طفلك في عمر العامين يمر بما يسمى بـ Imitative Stage أو مرحلة التقليد الحركي العفوي، وهي مرحلة طبيعية تمامًا في علم النفس النمائي، حيث يبدأ الطفل في تقليد كل ما حوله من بشر أو حيوانات أو حتى أصوات.

 

هذا السلوك ليس مؤشرًا على اضطراب، ولا يعني بالضرورة أنه سيستمر أو يتطور إلى خلل، بل يُعد ما يقوم به طفلك من المحاكاة الحسية الحركية (Sensory-Motor Imitation)، وهو أمر متوقع، خاصةً إذا كان الكلب جزءًا من حياته اليومية.

 

علميًّا، تقليد الحيوانات لا يعني تشوّهًا إدراكيًّا بل يدل غالبًا على تعلّق وجداني قوي (Emotional Bonding) وفضول طفولي استكشافي (Exploratory Behavior)، فهي محاولة للتفاعل غير اللفظي مع الكائن المحبوب، ولكن... إذا استمر هذا السلوك لأشهر طويلة دون تغيّر، فقد نحتاج إلى تدخل بسيط لتوسيع مدارك الطفل تدريجيًّا.

 

ثالثًا: كيف تتعاملين معه؟

 

١- لا تنهريه ولا تسخري من سلوكه..

 

فهو لا يفهم أنه يفعل شيئًا غريبًا، ولا يريد أن يُقلقك، بل يعبّر بطريقته عن مشاعره، وسوء التعامل هنا قد يؤدي إلى قلق سلوكي لاحق.

 

٢- قدّمي له بدائل ممتعة ومحببة واعملي على تعزيز سلوكيات أخرى، مثل:

 

- التفاعل مع أطفال في مثل عمره.

 

- تقليد شخصيات كرتونية بشرية إيجابية.

 

- ممارسة أنشطة حركية، مثل: (الرقص الإيقاعي للأطفال أو المشي أو اللعب بالكرة)، ليجد منفذًا بديلًا للحركة والاهتمام.

 

٣- احكي له قصصًا فيها شخصيات بشرية مرحة

 

حاولي أن تُدخلي إليه مفهوم الهوية الإنسانية بشكل غير مباشر، من خلال القصص والأغاني واللعب؛ فالطفل يتشكّل وجدانيًّا الآن، وكل ما يسمعه ويراه يؤثّر في هذا التشكل.

 

٤- راقبي العلاقة بينه وبين الكلب دون إفراط أو تفريط

 

لا داعي لقطع العلاقة تمامًا إن لم يكن في مقدورك ذلك الآن، ولكن اجعليها علاقة متوازنة، لا تسمح أن يصبح الحيوان هو "المرجع السلوكي" الأول للطفل.

 

٥- اغرسي في قلبه معاني الفطرة والهوية الدينية مبكرًا بأغانٍ بسيطة مثل: "أنا إنسان – ربّي رحمان – بحب أمي – بحب القرآن"... فهذا يساعد على ترسيخ الهوية الإنسانية والدينية بشكل إيجابي.

 

رابعًا: لا بد من توجيه شرعي وتربوي مطمئن لطفلك الجميل..

 

تذكّري أن الأصل في النفس البشرية أنها قابلة للتوجيه والإصلاح، خصوصًا في هذه المرحلة. قال تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾، والطفل ابن بيئته، وكل ما يحتاجه هو توجيه هادئ، متدرج، وتربية بالحب والصحبة.

 

* وهمسة أخيرة لقلب الأم الحنون:

 

اطمئني حبيبتي.. فطفلك ليس في خطر، بل هو في مرحلة فضول، وكل ما يحتاجه هو توجيهك المتزن، وصبرك الذكي، وبيئة تحتويه وتوسّع آفاقه؛ فأنتِ له الأمان، والسند، والمِرآة التي يرى بها نفسه.

الرابط المختصر :