الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : الأطفال
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
234 - رقم الاستشارة : 2411
19/08/2025
ابنتي عمرها ٣ سنوات و٣ شهور تعلمت دخول الحمام خلال فترة قصيرة جدًّا بعمر سنتين ونصف، لكنها الآن لا تطلب الحمام.
مشكلتي معها أنها لا تطلب، لا أدري ماذا أفعل؟ للأسف أقوم بضربها أحيانًا وأندم.
غاليتي، أطمئنكِ بدايةً أنّ ما تمرّ به صغيرتكِ في عمر ثلاث سنوات طبيعي جدًّا، ولا يستدعي القلق المفرط، بل يحتاج إلى فهمٍ أعمق لطبيعة المرحلة النمائية التي تمرّ بها.
ولكني كنت أتمنى أن توضحي لي ما إذا كانت طفلتك لا تطلب استعمال الحمام ثم تقوم بالتبول على نفسها.. أم أنها لا تطلب استعماله وتظل محتبسة للبول بداخلها؟ فهناك فرق وتباين بين الحالتين، سواء من جانب المضاعفات أو العلاج وطرح الحلول وكيفية التعامل.
* وهنا يتطلب الأمر مني توضيحًا بدقة في الحالتين:
أولًا: الفرق بين الحالتين:
1- حالة أنها لا تطلب الحمام وتتبول على نفسها:
هنا المسألة مرتبطة إما بانشغالها في اللعب، أو ضعفٍ مؤقت في self-regulation ضبط الذات، أو اعتمادٍ زائد على وجود الأم لتذكيرها.
هذه الحالة في علم النفس التربوي تُعد أمرًا عابرًا يُسمّى toilet training regression، أي تراجع مؤقت بعد التدريب، وغالبًا ما يحدث عند الأطفال إذا مروا بتغير نفسي أو بيئي أو حتى بدافع الفضول واللعب.
وفي هذه الحالة، لا يوجد ضرر عضوي مباشر، لكن التحدي هو في تعزيز المسؤولية تدريجيًّا عند الطفلة لتشعر أن طلب الحمام جزء من استقلالها.
2- أما في حالة أنها لا تطلب الحمام وتظل محتبسة للبول:
فهذه الحالة مختلفة وللأسف خطيرة إذا تكررت؛ لأن حبس البول قد يؤدي إلى urinary retention أو التهابات في الجهاز البولي على المدى البعيد، لا قدر الله.
وهنا لا بد من ملاحظة علامات مثل شد الجسم، الانزعاج، كثرة التردد إلى الحمام دون إنتاج كافٍ، أو بكاء الطفلة.
إذا وُجد هذا النمط، فإن الحل ليس تربويًّا فقط، بل يستدعي متابعة طبية للتأكد من سلامة المثانة والجهاز البولي عامة.
ثانيًا: الحلول العملية لمساعدة الطفلة:
* في حالة التبول على النفس:
1- اجعلي التذكير بالحمام عادة ثابتة، كل ساعتين تقريبًا، دون انتظار طلبها.
2- استخدمي positive reinforcement التعزيز الإيجابي كالتشجيع اللفظي أو الملصقات أو الأحضان عند نجاحها.
3- إياكِ واستخدام العقاب البدني، لا تستخدميه أبدًا، فهو يزرع الخوف والحرج ويؤدي إلى toilet anxiety قلق مرتبط بالحمام. قال رسول الله ﷺ: "ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه"، والرفق هنا زينة التربية.
* أما في حالة حبس البول:
1- لا تنتظري أن تطلب، بل عوديها على دخول الحمام بشكل منتظم كجزء من الروتين اليومي.
2- اجعلي الجلوس على الحمام وقتًا قصيرًا مريحًا دون ضغط، مع ألعاب صغيرة أو أغنية محببة.
3- إذا لاحظتِ استمرار الحبس أو ظهور أعراض جسدية (ألم، بكاء عند التبول)، فيجب مراجعة الطبيب فورًا.
** وحتى أيسر عليك إن كنت لست على دراية به، فسوف أضع لك جدولا يوميًّا مبسطًا لعمر ٣ سنوات، لتذكير طفلتك باستعمال الحمام:
- الصبح بعد الاستيقاظ: دخول الحمام مباشرة.
- كل ساعتين خلال اليوم: ذكريها بلطف أن تذهب معكِ للحمام.
- قبل النوم: دخول الحمام حتى لو لم تطلب.
* وذلك مع ملاحظة ضرورة استخدامك لوسائل تشجيعية سريعة، مثل:
1- ملصقات أو نجوم.. كل مرة تدخل الحمام بنجاح، ضعي لها نجمة في لوحة صغيرة.
2- تشجيع لفظي.. قولي لها "أحسنتِ يا بطلة" مع ابتسامة وحضن.
3- مكافأة بسيطة أسبوعية.. إذا جمعت عددًا معينًا من النجوم، أعطيها قصة أو لعبة صغيرة.
* واعلمي أن السر هو الثبات والرفق، لا تتراجعي ولا تعاقبي، ومع الوقت ستطلب الحمام من تلقاء نفسها.
- وأخيرًا، تذكري -حبيبتي- أن الطفلة في هذه المرحلة تبني autonomy الاستقلالية، وأي خطأ في التعامل معها بالضرب أو الإهانة قد يدفعها إلى الشعور بالعار shame بدل الثقة بالنفس self-confidence.
اجعلي الرسالة التي تصل منك إليها، مفادها: "أنا أثق بكِ، وأساعدك حتى تنجحي".
- وتذكري أيضًا أن: ابنكِ أو ابنتكِ أمانة، وقد قال ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".
والتربية بالرحمة تثمر نفسًا سليمة، والطفلة إذا أحسّت بالأمان العاطفي مع أمها، تعلّمت أسرع وتجاوزت العقبات بسهولة.
* همسة أخيرة:
مشكلتكِ ليست في التدريب نفسه بل في التعامل مع التراجع أو الحبس. إن كان تبولًا على النفس، فالحل بالرفق والتذكير والتشجيع. وإن كان حبسًا للبول، فالمتابعة الطبية ضرورة مع روتين تربوي ثابت. تذكري أن الرحمة والحنان هما أقصر طريق لتربية ناجحة وسليمة.